مجلة
تركمان
العراق

العدد الاول، السنة الاولى
تشرين الثاني - كانون الاول ۲۰۰۳

قناة الجزيرة
برنامج: ماوراء الاحداث
تاريخ الحلقة: ۰٦/۰٥/۲۰۰۳

مكاسب وخسائر الأكراد من الحرب على العراق

مقدم الحلقة: فيصل القاسم

ضيوف الحلقة:
د. علي القره داغي رئيس قسم أصول الفقه - جامعة قطر
الكاتب والصحفي: سليم مطر
ممثل الحزب الديمقراطي الكردستاني: عمر بوتاني

P مستقبل الأكراد بعد سقوط النظام العراقي
P تفنيد فكرة الضحية البريئة لدى الأكراد
P ازدواجية المطالب الكردية
P الدعوة إلى إحياء هوية الأمة العراقية

د. فيصل القاسم: تحية طيبة مشاهديَّ الكرام. ما الذي ربحه وخسره الأكراد بعد سقوط النظام العراقي؟ أليست مكاسبهم أكثر بكثير من خسارتهم؟

هل كان نظام بغداد العقبة الوحيدة في وجه الأكراد، أم أن مصائبهم موزعة في أكثر من مكان؟

أسئلة أطرحها على الهواء مباشرة هنا في الأستوديو على الدكتور علي القره داغي (رئيس الرابطة الإسلامية الكردية، ورئيس قسم فقه الأصول في جامعة قطر)، وعبر الأقمار الصناعية من بيروت على السيد عمر بوتاني (ممثل الحزب الديمقراطي الكردستاني في القاهرة)، ومن لندن عبر الأقمار الصناعية على السيد سليم مطر (الخبير في الشأن الكردي).

مستقبل الأكراد بعد سقوط النظام العراقي

نبدأ هنا في الأستوديو مع الدكتور قره داغي، سؤال بسيط، كيف ترى مستقبل الأكراد بعد سقوط النظام العراقي؟

د. علي القره داغي: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه.

قبل أن أبدأ بالإجابة عن هذا السؤال أود أن أبين قضية أساسية في هذا المجال، وهي أننا نحن المسلمين جميعاً عرباً وأكراداً وغير ذلك نحتاج -في اعتقادي- إلى تشكيل عقليتنا بعد كل هذه المصائب التي حلت بهذه الأمة، كما قال الله -سبحانه وتعالى- (أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ) أي لا يستعملون الجانب الديني ولا الجانب العقلي والتجريبي.

د. فيصل القاسم: وهذا ينطبق على الجميع، أم على الأكراد بشكل خاص؟

د. علي القره داغي: بالتأكيد هذا ينطبق على الجميع، ولذلك أنا في اعتقادي ضمن تشكيلتنا العقلية لا ينبغي اليوم -في اعتقادي- أن نبحث عن خسائر الأكراد أو أرباح الأكراد.

د. فيصل القاسم: كويس.

د. علي القره داغي: لأن الأكراد اليوم راضون بأن يكونوا جزءاً في ضمن حقوقهم المشروعة الفيدرالية والحكم الذاتي ضمن المشروع العراقي، فبالتالي أرباح الأكراد أرباح للعراق، وخسارتهم كذلك خسارة للعراق، فحينما ظلموا كان هذا الظلم -أنا في اعتقادي- هو السبب فيما أدى إلى ما وصل إليه العراق، ولو نحن أو العراقيون جميعاً وقفنا عند هذا الحد، وأوقفنا الظالم عند حده ما حدث ما حدث.

د. فيصل القاسم: حلو.

د. علي القره داغي: لو إحنا نظرنا إلى التاريخ، كل ما حدث للعراق حقيقة أتى بسبب الديكتاتورية الفاشية التي بدأت بظلم الأكراد واضطهاد الأكراد سواء كان في حلابشة، أو الأنفال، أو غير ذلك، فحينما الناس نظروا بهذه العقلية المتجزئة، أنا ما دمت أنا بخير فلا بأس بالنسبة للعراقيين أو غير العراقيين، فأدى ذلك إلى هذه المأساة، ثم بعد ذلك نعود إلى.. في هذه الإجابة إذا أردنا أن نجيب..

د. فيصل القاسم: اتفضل.

د. علي القره داغي: لو نظرنا حقيقة إلى الخسائر التي خسرت.. خسرها الشعب الكردي طوال النظام الاستبدادي، لوجدنا يعني على سبيل المثال إحصائيات دقيقة، وأنا مسؤول عنها، وممكن الأخ الكريم بوتاني برضو يؤكد ذلك، أربعة آلاف وحوالي ٥۰۰ قرية دُمرت بمدن ومساجدها، ومدارسها، ومستشفياتها، إحنا في سنة ٩۱ القيادة الكردية والشعب الكردي عادوا حقيقة مليون ونصف أو مليونين في المخيمات، ۱٨۲ ألف شخص لا يعرف مصيرهم شيء، ولو نسمع الآن مآسي الأنفال أكثر بكثير من قضية حلابشة، ٨ آلاف برزاني من الرجال أُخذوا ولا يعرف مصيرهم إلى الآن، مثلما فعل فرعون (يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ)، أمام هذه المظالم الحقيقة الشعب الكردي أنا أعتقد له الحق في أن يطالب بحقوقه المشروعة، وأنا أعتقد..

د. فيصل القاسم [مقاطعاً]: وأن يفرح الآن على ضوء هذا التاريخ الأسود الذي.. أن يفرح بما آلت إليه الأمور في العراق، نعم.

د. علي القره داغي: وهذا شيء طبيعي مهما كان، مرات يكون هناك فرح، ولكن في ضمن أيضاً فيه جانب فرح وفيه جانب مأساة.

د. فيصل القاسم: أسى، نعم.

د. علي القره داغي: يعني إحنا شخصياً، وحقيقة أنا أعتقد كل الأكراد ما كانوا يريدون أن يضرب العراق، لكن ماذا يفعلون؟ ولم يكن بيدهم شيء، وما كان بودنا أن يكون هناك أي احتلال، كان بودنا أن يكون هناك حكومة تحترم الشعب العراقي بعربه وأكراده وسنته وشيعته، وأن تُعطي لهم الحرية، وأن.. وأن يكون كل واحد يقوم بواجبه، لكن ما حدث هذا، فالآن رب العالمين أشار إلى هذا الجانب النفسي دكتور فيصل، يقول: (لاَ يُحِبُّ اللَّهُ الجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ القَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ). معنى ذلك أن الإنسان المظلوم يقبل منه حتى لو جهر بالسوء، لأنه مظلوم، والمظلوم ضعيف.

د. فيصل القاسم: طيب، يعني باختصار يمكن القول إن يعني المستقبل يبدو أفضل بكثير على ضوء المآسي والكوارث التي مر بها الأكراد عبر تاريخهم في.. في العراق، على الأقل على.. على مدى الحقبة حقبة العقود الماضية.

د. علي القره داغي: بالتأكيد، في الجانب الديمقراطي والحرية شيء آخر، لكن في الجانب الآخر وهو مسائل ما حدث هذا شيء يمكن نناقشه نعم.

د. فيصل القاسم: طيب شيء آخر، طيب ننتقل بهذا الكلام إلى السيد سليم مطر في لندن كي يعني يعطينا.. أو يعطينا وجهة نظره حول هذا الموضوع، تفضل يا سيدي.

تفنيد فكرة الضحية البريئة لدى الأكراد

سليم مطر: أهلاً وسهلاً بالأستاذ فيصل والأستاذ قره داغي، والأستاذ بوتاني.

بالحقيقة أتفق مع السيد قره داغي إحنا من الضروري كعراقيين أن نتحلى بعقلية جديدة، وأعتقد العقلية الجديدة اللي تنقصنا كعراقيين، إنه نشيل من بالنا هذه الفكرة المكررة من أجيال طويل فكرة إنه الضحية البريئة، وأقصد كل العراقيين وليس الأكراد، كلتنا إحنا العراقيين، وسبق في كتابات عديدة، وأعتقد أنه أقدم نفسي أني مو خبير بالشؤون الكردية مثل ما قدمني الأستاذ فيصل، أنا بالحقيقة خبير بالشؤون العراقية ككل، والوضع الكردي هو جزء من الوضع العراقي بالنسبة إلي، وأنا روائي، وبنفس الوقت مفكر في الأمور العراقية، وكتابي هذا "الذات الجريحة" سبق وأن طرحت مسألة أساسية أثارت كثير من السياسيين والمثقفين العراقيين، إنه فكرة هذه الضحية البريئة، واللي كررها الآن الشيخ القره داغي، إنه فقط أتكلم عن مأساة ومعاناة الشعب الكردي، اللي هي جزء من معاناة الشعب العراقي، وهذا أتفق بها تماماً، ولكن أيضاً اللي ينقصنا وهاي المسألة المهمة، ولا نستطيع أبداً أن نبني نظام جديد ووطن جديد، ونتخلص من.. من الديكتاتوريات إذا ما نتحلى بهاي النقطة وهي النقد الذاتي.

نقطة النقد الذاتي للأسف تفتقدها جميع القوى العراقية بمختلف اتجاهاتها وتياراتها، يعني مثلاً أتكلم السيد قره داغي عن مأساة حلابشة والأنفال، على عيني وعلى رأسي صحيح، ولكن الأخطاء اللي قامت بها القيادات الكردية وبالذات التيار الطلباني السيد الطلباني وتيار السيد البرزاني، أخطاء يعني مثلاً الحرب اللي صارت بين ٩٤ و٩٦ كلفت ٤۰۰۰ قتيل كردي، ٤۰۰۰ آلاف قتيل كردي، يعني ما يضاهي شهداء حلابشة، وعشرات الآلاف من الجرحى والمشردين، وآلاف مؤلفة من السجناء اللي لازالوا لحد الآن يقبعون في سجون الطلباني والبرزاني، طيب هذه المفروض نذكرها.

المأساة الأخرى أيضاً المسؤول عنها القيادات الكردية هو التواطؤ اللي قامت به القيادات الكردية مع القوات التركية في مكافحة التيار الكردي التركي، وآلاف مؤلفة أيضاً من الضحايا أكراد تركيا تم ذبحهم على إيد أشقائهم البشمركة، هذه لازم أيضاً نذكرها ونراجعها، ونعترف بيها، حتى ما نكررها، وأيضاً العقلية اللي أعتقد اللي أني أدعو إلها، وأيضاً السيد قرة داغي يدعو إلها بس بدون ما يطرح تفاصيل، لأن ده يكرر العقلية السابقة بالحقيقة، وهي إنه لازم على القيادات الكردية أن تتخلص من هاي الازدواجية، ازدواجية إنه من ناحية الشعار بأنه هم عراقيين، ويريدون وحدة العراق، ويريدون يشاركون بشكل فعال بقيادة العراق، وأني أتفق معه وسبق في كتابات عديدة ذكرت إنه أني مع إنه يكون رئيس الجمهورية كردي، والسيد البرزاني بالذات أني مع أن يكون رئيس جمهورية، ومع إنه يكون السيد الطلباني رئيس جمهورية، ولكن وهاي النقطة هي المهمة أن يتخلصون من ها الازدواجية، إنه بالوقت اللي يدعون إلى العراقية، بنفس الوقت في برامجهم، وفي أفكارهم، وفي تفاصيلهم ما هو منافِ تماماً للانتماء العراقي، مسألة الفكرة القومية الإمبراطورية، وفكرة كردستان الكبرى، (..) يعني بالضبط إنه يعني من باب التشبيه، مثل عندنا مثل بالعراقي يقول لك: "لا حظت برجالها، ولا أخذت السيد علي"، القيادات الكردية اللي بتعمل العكس، إنه تأخذ رجالها وتأخذ سيد علي، يعني تريد تقود العراق، وبنفس الوقت تريد تحقق الأهداف المنافية لوحدة العراق، وهي أهداف كردستان الكبرى، فهذه المسألة الازدواجية اللي تعاني منها القيادات الكردية، وتعاني من ها كل القيادات العراقية نفس الشيء إنه كل القيادات العراقية للأسف تعاني من ها الازدواجية، يعني نأخذ مثال حزب البعث اللي قاد العراق خلال عشرات السنين، حزب البعث هو أبو هاي الازدواجية، بالوقت اللي هو يقود بلد اسمه عراق، وعنده حدود دولية معترف بيها، وعنده عَلَم أيضاً رسمي، وعنده شعارات، وعنده.. وعنده دبلوماسية، بنفس الوقت إنه في كل تفاصيل أيديولوجية البعث ما هو مناقض للعراق ولوحدة العراق هو مفهوم الأمة العربية.

ودائما يكرر حزب البعث إنه هذه الحدود مصطنعة، طيب أني كيف أقود دولة، وأقود شعب، وأربيه على حب البلد، وبنفس الوقت أعلمه ليل ونهار إنه هذه حدود مشوهة ومصطنعة خلقها الاستعمار، وإنه علمنا علم وقتي، وإنه تاريخنا تاريخ وقتي؟ فها الازدواجية اللي تعاني منها الأحزاب العراقية يجب أن تتخلص منها، وبالذات الموضوع الكردي.

د. فيصل القاسم: كويس جداً.. كويس جداً، أنتقل بهذا الكلام طبعاً للسيد بوتاني في بيروت.. سيد بوتاني، نقطتان مهمتان آن الأوان للتوقف عن لعب دور الضحية البريئة، وهي نقطة ركز عليها السيد مطر أكثر من مرة، وأيضاً آن الأوان للتخلص من هذه الازدواجية الخطيرة أيضاً لدى الأكراد بشكل خاص، يتحدثون دائماً عن أنهم جزء لا يتجزأ من العراق، ويريدون أن يكون هناك وحدة وطنية، وإلى ما هنالك من هذا الكلام، لكن إذا نظرت إلى برامجهم ترى ما هو منافِ تماماً لما يطرحون، كيف ترد على مثل هذه الطروحات؟ عمر بوتاني: مساء الخير دكتور فيصل.

د. فيصل القاسم: يا هلا.. هلا.

عمر بوتاني: مساء الخير دكتور علي، ومساء الخير السيد مطر.

الحقيقة بدي أعقب على بعض الملاحظات اللي وردت في مداخلة السيد مطر، أولاً: لا يوجد مساجين بين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي بعد أن تم الاتفاق بينهما، ولا يوجد هناك خلافات ومشاكل بينهما، هذه حقيقة ونحن عراقيين أولاً، من خلال مناقشة السيد مطر أعتقد أنه غير مطلع على برنامج الأحزاب، يقول إنه برنامج الأحزاب يدعونا إلى إمبراطورية كردستان الكبرى، هذا ليس له أساس، في الحقيقة نحن أكراد العراق نطالب بحقوق الأكراد ضمن الدولة العراقية التعددية الفيدرالية الموحدة، لا يوجد مطاليب كردية في إنشاء دولة كردستان الكبرى، أو الإمبراطورية الكردستانية كما قال الأستاذ مطر، هذه الأمور الحقيقة واضحة بالنسبة للأكراد، الأكراد عراقيون وأكراد في نفس الوقت، لديهم مطاليب داخل وطنهم العراق، وما انتقال السيد الرئيس مسعود البرزاني وباقي زعماء الأكراد إلى بغداد مباشرة، وإجراء حوارات ولقاءات مع إخوانهم العرب وكافة الشرائح الأخرى من الطيف العراقي من أجل ترميم ما خربه النظام الديكتاتوري، ومن أجل إعادة اللُحمة الوطنية العراقية، ومن أجل ترسيخ العلاقات التاريخية والأخوية بين العرب والأكراد وباقي الفئات العراقية، هذا دليل واضح على عراقية الأكراد، وضمن الدولة العراقية الموحدة، لا يوجد هناك أفكار ازدواجية لدى الأكراد، برنامج الأحزاب الكردية واضحة، هناك عدد من الأحزاب السياسية الكردية من أقصى اليسار من الحزب الشيوعي الكردستاني وللاتحاد الإسلامي إلى أقصى اليمين، كل الأحزاب لديهم برامج سياسية واضحة، لا يوجد في برنامج أي حزب من هذه الأحزاب تدعو إلى إنشاء الدولة الكردية أو دولة كردستان الكبرى، الأكراد العراقيون هم عراقيون وأكراد في نفس الوقت، يطالبون بوحدة العراق، ولكن يطالبون بحقوق عادلة للشعب الكردي، نظراً لتعرضهم لمظالم، واضطهاد، وتعسف، وقمع، وأساليب غير إنسانية، وهذه المطاليب حضارية وطبيعية يطالبون بها.

د. فيصل القاسم: طيب سيد بوتاني، يعني لماذا تتحدث عن الدولة الكردية الكبرى أو دولة كردستان الكبرى كما لو كانت شيئاً محرماً في.. في واقع الأمر يعني.. يعني لماذا.. لماذا تتحدثون عن.. عنها وكما.. كان.. كما لو أنها ملوثة يعني؟

عمر بوتاني: دكتور فيصل، الشعب.. الشعب الكردي أمة تعيش على أرضها كردستان منذ آلاف السنين، لها الحق كأي أمة عاشت تعيش على هذا.. على هذه الأرض، لها الحق وكامل الحق أن تكون لها دولة مستقلة كباقي الأمم، الشعب الكردي يعتبر رابع أمة في المنطقة العرب، والأتراك، والفرس، والأكراد يعيشون في هذه المنطقة، تم تقسيم كردستان، كما تم تقسيم البلدان العربية وباقي المنطقة، لا ننكر إنه الأكراد لهم حق، والأكراد لهم حق طبيعي أن يكون لهم دولة مستقلة، ولكن الظروف الحالية، والظروف السياسية، والظروف الدولية والإقليمية لكردستان العراق وقناعة الشعب الكردي في كردستان العراق، وسياسة القادة وبرنامج ومناهج الأحزاب السياسية الكردية يفضلون أن يحصلوا على حقوقهم داخل العراق الديمقراطي الفيدرالي الموحد.

د. فيصل القاسم: طيب كويس..

عمر بوتاني: لا نطالب.. الأكراد لا يطالبون بدولة مستقلة.

د. فيصل القاسم: كويس.. كويس جداً الكثير من النقاط، يعني دكتور القره داغي، كي يعني نستشرف المستقبل أكثر مما نركز على.. على الماضي وإلى ما هنالك.

د. علي القره داغي: أنا أركز على..

د. فيصل القاسم: على المستقبل، إذا.. إذا تحدثنا عن المستقبل، اتفضل.. اتفضل.

د. علي القره داغي: على نقطتين بإيجاز، أولاً: مسألة الازدواجية، والمسألة الثانية مسألة الدولة الكردية. د. فيصل القاسم: أيوه.

د. علي القره داغي: بالنسبة إلى الازدواجية مع الأسف الشديد الازدواجية أصبحت سمتاً للسياسة العربية قبل أن تكون سمتاً للسياسات الأجنبية..

د. فيصل القاسم: صحيح.

د. علي القره داغي: في كل الأشياء، يعني مثلاً على سبيل المثال اللي أنت تفضلت به، يعني العالم العربي، والعالم التركي، والعالم الفارسي يجيزون لأنفسهم أن يكون لهم دول، ولكن لا يجيزون في نفس المفهوم القومي، وليس بالمفهوم الإسلامي طبعاً.

د. فيصل القاسم: صحيح.

د. علي القره داغي: لا يجيزون للشعب الكردي أن يكون لهم دولة، طيب عندنا مثل إحنا باللغة الكردية يقول.. يقول "بانك ودو هوا" يعني سطح واحد لها هواءان، له يعني هذا..، هذا الأمر الأول، هذا حقيقة أنا ناقشت هذه المسألة في كتابي قبل ۱٥ سنة، قلت: إما أن يكون عندنا ميزان إسلامي أو يكون عندنا ميزان ديمقراطي، أو ميزان قومي..

د. فيصل القاسم: قومي..

د. علي القره داغي: فعلى ضوء الميزان القومي ما جاز لأي قوم وكذا..

د. فيصل القاسم: كويس، طيب هذا السؤال، يعني هذا يقودنا في واقع الأمر ما مدى إمكانية تحقيق الحلم القومي على ضوء ما حدث في العراق؟

د. علي القره داغي: بس أكمل.. أكمل هذا..

د. فيصل القاسم: تفضل.

د. علي القره داغي: لكن.. لكن أنا كشخص مسلم، مثلما قال أستاذ عمر، وإحنا العراقيين جميعاً ب.. كل الأكراد متفقون على أن مصالحهم في هذا العصر الذي يتجه نحو العولمة.

د. فيصل القاسم: أيوه..

د. علي القره داغي: أوروبا، يعني بريطانيا وفرنسا دولتان كبيرتان، وألمانيا ومع ذلك تتجه نحو الوحدة. د. فيصل القاسم: صحيح.

د. علي القره داغي: العالم الغربي وليس أوروبا الشرقية.. الغربية، إلى أوروبا الشرقية، دائماً القوة، فما بالك.. فما فائدة الأكراد يكونون أو يشكلون دويلة صغيرة ليس لها قيمة تكون معرضة لدول الجوار؟

فمصلحة الشعب الكردي إضافة إلى دينه.. أنا أود بس دقيقة واحد، أن الأكراد وصلوا إلى هذه القناعة، والتاريخ يشهد على أن الشعب الكردي ما كانوا في يوم من الأيام أسباباً لتمزيق الأمة، بل بالعكس كانوا أسباباً لوحدة الأمة، صلاح الدين الأيوبي يعني حرر منطقة المغرب العربي، مصر والمغرب العربي وأعاده إلى الخلافة العباسية، يعني الخلافة العباسية كانت لم يكن لها قيمة، وكان بإمكانه يقيم دولة إمبراطورية، أبداً وحتى في وقت الشيخ محمود الحفيد في بداية هذا القرن أرسل كثير من العشائر الكردية إلى بصرة، أنا عندي بعض الأقارب من بقايا الذين كانوا وقفوا ضد عفواً الاحتلال البريطاني، و.. وأرسل كذلك وشارك في ثورة العشرين، الأكراد بالنسبة للعراق مصلحتهم مع شعب العراق، وأنا أعتقد الأكراد في إيران نفس الشيء.

د. فيصل القاسم [مقاطعاً]: طيب.. طيب بس بس يا.. بس يا دكتور قره داغي السيد مطر ركز على هذه النقطة.

د. علي القره داغي: وإسلامياً كذلك.

د. فيصل القاسم: وإسلامياً، هذا الكلام، لكن هناك من يقول والسيد مطر ركز عليها يعني هذا الكلام جميل أن نقوله على الهواء وأمام الكاميرا..

د. علي القره داغي: بكل صراحة وليس..

د. فيصل القاسم: وعندما تنظر إلى البرامج و.. والخطط السرية ترى أن العكس هو الصحيح تماماً، أريد أن تقول له للسيد مطر إنه هذا الكلام لا أساس له من الصحة.

د. علي القره داغي: أنا أقول إن إحنا حقيقة ماذا.. يعني ماذا يفعل الأكراد كيف يثبت امرأته يعني يأتون يحلفون بالثلاث -كما يقول- بأنهم لا يريدون، يا أخي الكريم وهذا الشيء بالعكس لمصلحة إخواننا العراقيين العرب أن يركزوا كل ما دام الحمد لله الأكراد ما يريدون التجزئة هذا شيء طيب، لماذا بالقوة يريدون أن يثبتوها؟ لماذا؟

د. فيصل القاسم: كويس، طيب حلو.. حلو جداً، سيد مطر.. سيد مطر سمعت هذا الكلام، يعني ما.. ما الذي.. ما الذي يريده مروجو..

د. علي القره داغي: نحن مع الوحدة إسلامياً وقومياً.

ازدواجية المطالب الكردية

د. فيصل القاسم: كويس جداً ما.. يعني ما الذي يريده مروجو هذه الأقاويل عن.. عن الازدواجية الكردية إذا صح التعبير؟ لدينا رأيان، يعني رأي مستقل ورأي آخر حزبي والاثنان يركزان على.. يعني على الفيدرالية وعلى كون الأكراد جزءاً لا يتجزأ من.. من عراق المستقبل وإلى ما هنالك من هذا الكلام. د. علي القره داغي: والتاريخ والمصالح.

د. فيصل القاسم: والتاريخ.. كيف.. كيف ترد؟ يعني ما كانوا سبباً أبداً في تمزيق الأمة، كانوا دائماً يعني سبباً في وحدتها.

سليم مطر: لطيف، بالحقيقة فيه مشهد جميل الآن شاهدته، يعني الحقيقة السيدين القره داغي وبوتاني حاولوا أن ينفوا الازدواجية، ولكن في نفس كلامهم عرضوا بشكل واضح وجلي الازدواجية، بالوقت اللي بده يطرحون الشعارات الجميلة عن الوحدة العراقية وإنه إحنا ما نريد دولة كردية، وإنه إحنا وإنه إحنا، بس بنفس الوقت يختمون كلامهم: ولكن نحن الأكراد القومية الوحيدة التي في المنطقة التي لا يحق لها دولة، ونحن يحق لنا دولة، ونحن نطمح إلى دولة، ونحن نريد دولة، غريب.. غريب يعني هذه.. يعني أمام المشاهدين، أمامنا يعني هذه نموذج واضح للازدواجية العراقية، العراقي -للأسف- العراقي السياسي والسياسيين بالذات الحاليين هذه الازدواجية، يطرح لك الشعار يمشيه شعار سوقي تجاري، بس بالتفاصيل.. بالتفاصيل يعني.. بالضبط أنا أتذكر أنا شخصياً في السبعينات كنت شاب صغير في أواخر السبعينات كنت شيوعي، أتذكر إنه الحزب الشيوعي كان كل شعاراته اللي يطرحها الرسمية والعلنية في الجرايد بتاعه إنه كان متحالف مع حزب البعث، كان يربي دائماً الناس بشكل علني إنه على الوحدة مع حزب البحث والتحالف مع حزب تقدمي وحزب ثوري والاشتراكية والتأميم وغيره، ولكن بنفس الوقت كان يثقفنا إحنا كوادره ليل ونهار على أنه حزب البعث حزب وقتي، حزب برجوازي صغير وسوف يذوب في حزب الطبقة العاملة، ودائماً يستخدم مثال كوبا، كيف أنه الحزب البرجوازي الصغير ذاب في حزب الطبقة العاملة وكيف وكيف. يعني هذه الازدواجية بالوقت اللي كان الحزب الشيوعي يعلن ليل ونهار ويحكي بالمؤتمرات إنه إحنا متحالفين مع الحزب الثوري التقدمي حزب البعث، وبنفس الوقت يربي كوادره على ما هو نقيض إنه حزب البعث حزب برجوازي صغير ومؤقت وسوف يذوب.

نفس الشيء كل الأحزاب العراقية تحكي ليل ونهار بالديمقراطية، تلقاه إسلامي يحكي لك بالديمقراطية والديمقراطية والديمقراطية، ولكن تقعد وياه على جنب يقول لك: دُولا كفرة ملحدين والله كريم بس يصير عندنا مجال راح نعدمهم وراح نقتلهم ودولا.. طيب وأنت هسه تحكي لي بالديمقراطية، فنفس الشيء للأسف القيادات الكردية، وبالمناسبة يعني إنه رأي السيد قره داغي مع كل احترامي ما يختلف عن رأي السيد بوتاني، الاثنين يمثلون نفس الاتجاه والاتجاه القومي الكردي بالحقيقة، حتى ما فيه لا اتجاه مستقل ولا اتجاه إسلامي، فهذه الازدواجية للأسف فيه تناقض.. فيه تناقض إن إحنا العراقيين بحاجة إلى.. إلى صدق مع الذات، صدق مع الضمير، أن نكون واضحين مع نفسنا ومع شعبنا، يكفي هذه الازدواجية، يكفي أن نطرح شعارات ونفس الوقت نحكي بالتفاصيل ونربي ناسنا وكوادرنا على أمور أخرى.

د. فيصل القاسم: طيب.. طيب طيب سيد مطر مهم جداً سنعود إليك بعد قليل، أنتقل إلى السيد بوتاني، سيد بوتاني لن أسأل سؤالاً، كيف ترد؟

عمر بوتاني: لم أسمع..

د. فيصل القاسم: لن أسأل السؤال.. يعني استمعت للسيد سليم مطر، كيف ترد على ما قاله، يعني في واقع الأمر أنتم تطرحون القضية و.. و.. و.. وعكسها في.. في.. في الآن ذاته إذا صح التعبير؟

عمر بوتاني: لا أعرف كيف اكتشف السيد مطر الازدواجية في كل القوانين السماوية والوضعية تجيز للشعوب بحق تقرير مصيرها، هذا قانون معروف، ولكن أكراد العراق لديهم مطاليب ضمن الوحدة الوطنية العراقية، وهذه معروفة وفي برامج الأحزاب وفي أدبيات الأحزاب، وفي تصريحات القادة وفي ممارساتهم العملية اليومية وفي تعاملهم مع الإخوان العرب، الثورة الكردية منذ سنة ۱٩٦۱ كان شعارها المركزي الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان، الآن شعارنا: الديمقراطية للعراق والفيدرالية للأكراد، أو العراق الديمقراطي التعددي الفيدرالي الموحد، عملياً الزعماء الأكراد والسياسيين الأكراد يقومون بهذا على الساحة في بغداد وفي كل المدن، علينا أن ننظر إلى المستقبل، أن لا نبقى أسرى الماضي والسياسات الماضية ومناهج الأحزاب الماضية، علينا أن ننظر إلى مستقبل العراق ليس أمامنا إلا التوحد. نعم.

د. فيصل القاسم [مقاطعاً]: طيب سيد بوتاني.. سيد بوتاني ذكرت موضوع مستقبل العراق، يعني كيف تنظر الآن إلى مستقبل الأكراد في واقع الأمر على ضوء التطورات في العراق؟ لنستشرف المستقبل يعني كي لا نبق يعني نتحدث عن.. عن برامج الأحزاب القديمة وإلى ما هنالك، يعني هناك من يقول بأن الأكراد هم أكبر الرابحين مما حدث في العراق، كيف ترد على مثل هذا الكلام؟

عمر بوتاني: سيدي الأكراد لو نظرنا للسنوات الماضية وما كانوا يتمتعون به من امتيازات ونوع من الاستقلالية، ونوع من الحرية، وبرلمان، وحكومة كردستان المستقلة إلى حدٍ ما، وبناء العلاقات التجارية وغيرها مع دول الجوار، الآن الأكراد عليهم أن يضحوا ببعض هذه الامتيازات لصالح الوحدة الوطنية العراقية، هذا واحد، بالتأكيد الأكراد لا يمكن فصل ما يحققه الأكراد عن باقي الشعب العراقي، بعد زوال النظام الديكتاتوري في العراق كل ما يتحقق وكل ما تحقق يعود لكل الشعب العراقي وليس للأكراد فقط، ولكن هناك خصوصية، بالتأكيد الأكراد تخلصوا من حالة الخوف والقلق من المستقبل بعد زوال النظام الديكتاتوري في العراق، ومن المؤكد انتهى مرحلة سياسة (الجينوسايد) والإبادة الجماعية للشعب الكردي، من المؤكد أيضاً تخلصنا من سياسة التهجير القصري، التغيير الديموغرافي لمنطقة كردستان، والتهجير القصرى للإخوان العرب أيضاً وإسكانهم في المناطق الكردية وتهجير الأكراد من مناطقهم، وهذا مشكلة كبيرة كانت.. كنا نعانيه، والأهم من ذلك و.. والذي هو من.. من مصلحة الأكراد والعرب انتقال القيادات الكردية مباشرة إلى العاصمة العراقية لإثبات ذلك عملياً بأنهم عراقيون ويعملون من أجل مستقبل العراق، ومن أجل ترسيخ أواصر الإخوة والتعايش السلمي ضمن الدولة العراقية الموحدة، وأنا متفائل بمستقبل العراق، ومتفائل بمستقبل الأكراد في داخل العراق، لأننا ندعو إلى التعددية وحرية الرأي وتعدد الأحزاب والفيدرالية ونظام ديمقراطي علماني، ونظام يكون صندوق الاقتراع هو الحكم بين جميع الأطياف والأحزاب السياسية في العراق.

[ د. فيصل القاسم: دكتور قره داغي، يعني لا شك أن هناك نبرة تفاؤل وفرح بالمستقبل على.. على الصعيد الكردي، كما لو أن يعني مشكلة الأكراد كانت تكمن بالدرجة الأولى والأخيرة في النظام.. في وجود النظام العراقي أو في العراق بشكل خاص، وأن يعني وضع الأكراد في بقية دول المنطقة سمن على عسل، يعني ألا تعتقد أن.. أن.. يعني يجب ألا تتفائل كثيراً، المشكلة الكردية في واقع الأمر تكمن بالدرجة الأولى في تركيا، حيث هناك حوالي ۲۰ مليون، هناك من يتحدث عن ۱٦ مليون والبعض الآخر يتحدث عن ۲۰ مليون، وأنت تعرف أكثر مني وضع الأكراد هناك، وما آل إليه وضع (أوجلان) وإلى ما هنالك من هذا الكلام، يعني ألا تعتقد أن هذا الفرح الزائد يعتم على.. على.. على جوانب أخرى من.. من المأساة الكردية؟ د. علي القره داغي: لا شك أن الشعب الكردي يعني حقيقة من.. لابد أن ننظر إليه من عدة جوانب يعني، الجانب الأول بحكم التقسيم الموجود ومصالح كل مجموعة مع الدولة التي تنتمي إليها أو هذه المجموعة الكردية يعني مثل أكراد العراق مع العراق وأكراد إيران مع إيران، أيضاً مش بس حتى في تركيا، وأكراد سوريا مع سوريا وأكراد تركيا مع تركيا، فأنا أود بس ملحوظة بسيطة هنا..

د. فيصل القاسم: تفضل..

د. علي القره داغي: يعني أنا حقيقة أرد على أخي الأستاذ مطر أنني اتجاهي مع وحدة العالم الإسلامي ككل، فكيف بوحدة العراق، أنا رأيي إسلامي ومستقل، فهذا أرجو أن يكون استنتاجه غير صحيحاً، غير صحيح عفواً، هذا بالنسبة، أعود إلى موضوع اللي.. اللي تفضلت به، نعم، أنا معاك لا ينبغي أن نتفائل، هذه لسه بداية فإذا كان هناك بادرة نحو الخير -إن شاء الله- نحو الحرية فالحرية في اعتقادي دائماً خير، ولن.. و.. ونحن نريد أيضاً ألا تكون حرية الشعب الكردي وحقوق الشعب الكردي على أساس بقية الشعوب أو الإضرار ببقية الشعوب، لأن إحنا أول مبدأ من مبادئنا الإسلامية أنه أن تحب لأخيك "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" فبالتالي إحنا.. ولذلك أنا أكدت على أن الشعب الكردي أبداً ليسوا مع الإضرار بأي جانب، وأنا أعتقد أن الحوار هو الطريق الصحيح للوصول إلى المطالب، فبالنسبة للشعب الكردي في تركيا ما كانوا يعترفون أساساً بوجود شعب كردي وهذا أكبر مشكلة، بل كان التحدث باللغة الكردية كان جريمة ويعاقب عليه بحكم القانون..

د. فيصل القاسم: مشكلة، صحيح.

د. علي القره داغي: أحكي لك قصة حقيقية والله، أنا كنت هنا واتصلوا بي من السويد قالوا هناك ۱٥ عائلة كردية بحكم الدستور السويدي لابد من الحفاظ على لغتهم، قلت سبحان الله، ۱٥ عائلة كردية يحافظ على لغتهم وعلى هويتهم، و۱٥ مليون نسمة.. ۲۰ مليون نسمة في تركيا لا.. ليس لهم حق وليس لهم شيء ليس لهم الحق في التحدث، يكون التحدث جريمة!! هذه أنا أعتقد ليس هذا، دائماً الحرية لن تأتي بخير، لن تأتي إلا بخير، الحرية لم تأتِ.. انظر إلى مسألة سويسرا، سويسرا تتألف من ثلاثة شعوب الإيطاليين، الألمانيين، الفرنسويين ما أحداً منهم يطالب الانضمام إلى دولته دولة عظمى مثل ألمانيا لماذا؟ د. فيصل القاسم: طبعاً طبعاً، وكذلك الأمر بالنسبة لبلجيكا نعم.

د. علي القره داغي: لبلجيكا، لماذا؟ لأن هناك حرية، هناك عدم الظلم، فلذلك..

د. فيصل القاسم: هناك المواطنة.

د. علي القره داغي: هناك المواطنة.

د. فيصل القاسم: يعني هناك لا ينظر إلى الإنسان كونه فرنسياً أو ألمانياً أو ومسيحياً أو كذا، ينظر إليه على أساس أنه مواطن بغض النظر عن لونه ودينه وعرقه، أما في البلدان.

د. علي القره داغي: نعم، نعم أن هو.. أحسنت نعم، ملحوظة ثانية أنه أستاذ مطر قال أنه أنت تتفق مع.. أنا أتفق لأنه هناك بعض الحقائق متفقين عليها، أنا أقول أضيف إلى هذا في كركوك، في الموصل كان ممنوع بحكم القانون أن يتملك كردي أن يسجل عقار، أن يشتري شبراً واحداً من أرضه، هذا ما كانش موجود في جنوب إفريقيا مثلاً، فكيف أنت تحس بالمواطنة؟ أعطوا الحرية شوف انظر، الآن في ظل هذه الحرية الموجودة الأكراد قيادة الأكراد كلهم في بغداد، إسلاميون وغير إسلاميين.

د. فيصل القاسم: وهذا.. كويس جداً وهذا أنقل الكلام إلى السيد مطر، سيد مطر يعني كيف تنظر بالتحديد إلى يعني انطلاق القادة الأكراد مباشرة بعد التحرير إلى.. إلى بغداد يعني كما يقولون؟ يعني وجدنا القادة الأكراد الآن يجتمعون في العاصمة العراقية وهذا إن دل على شيء في واقع الأمر لا يدل إلا على تمسكهم بوحدة التراب العراقي وانطلقوا إلى العاصمة مباشرة.

سليم مطر: آلو.

د. فيصل القاسم: تفضل يا سيدي، السيد مطر.

سليم مطر: بالحقيقة كرر السؤال ما سمعتك فيه إشكالية بالصوت.

د. فيصل القاسم: طيب يعني أقول إنه نحن شاهدنا أن القيادات الكردية انطلقت مباشرة إلى..

سليم مطر: فيه مشكلة بالصوت فيه مشكلة بالصوت.

د. فيصل القاسم: آه طيب طيب، طيب هل تسمعنا الآن سيد مطر؟ طيب طيب بيروت أنتقل إلى السيد بوتاني في.. في بيروت، سيد بوتاني وسنعود إلى السيد مطر بعد قليل، سيد بوتاني يعني السيد القره داغي وحضرتك تحدثت قبل قليل عن انطلاق القادة الأكراد إلى.. إلى العاصمة العراقية بغداد، وهذا يعني تصورونه على أنه شيء إيجابي، لكن في الوقت نفسه شاهدنا على شاشات التليفزيون في الأيام الأخيرة بعض.. يعني لنقل بعض الأشخاص الأكراد يستولون على بعض البيوت والمنازل في العاصمة العراقية بغداد بقوة السلاح تحت ذريعة أن هذه كانت للدولة أو لصدام حسين أو لحزب البعث أو سمه ما شئت يعني، يعني كيف نتوقع خيراً، يعني هذا القدوم أنت تصوره على أساس أنه يعني وحدة و.. ومحافظة على وحدة التراب والبعض الآخر يصوره على أنه نوع من السطو إذا صح التعبير.

عمر بوتاني: أستطيع أن أتحدث عن حزبي الديمقراطي الكردستاني، لمعلومات سيادتك الحزب الديمقراطي الكردستاني كان قد أجيز رسمياً منذ عام ۱٩٥٨، وفي عام ۱٩٧۰ كان لديها مقرات ملك لها، مقر الفرع الخامس وأيضاً مطبعة التآخي ملك صرف للحزب الديمقراطي الكردستاني، وبعد اختلاف الذي حصل بين قيادة الثورة الكردية ونظام صدام حسين في عام ۱٩٧٤ تم الاستيلاء على هذه الممتلكات ومصادرتها، بالنسبة للحزب الديمقراطي الكردستاني سكنوا في مقر فرعهم، وسكنوا أيضاً واستردوا مطبعة التي كانت ملكاً لهم بناية المطبعة، الأحزاب الأخرى الذين سكنوا في بعض الأبنية الحكومية قد يكون هذه مؤقتاً، ليس بدافع الاستيلاء والبقاء فيها إلى الأبد، أعتقد إن الظروف قد تطلب أن يجدوا مكاناً هناك، ولا أبرر عملية الاستيلاء للمقرات الحكومية لأي كان، ولكن أعتقد بأن هذه الحالة قد تكون مؤقتة.

د. فيصل القاسم: طيب سيد مطر في.. في لندن أرجو أن تكون يعني الأمور OK الآن أوجه نفس السؤال.. سليم مطر: الآن وضحت.

الدعوة إلى إحياء هوية الأمة العراقية

د. فيصل القاسم: أوجه نفس السؤال لك الآن عن أنه يعني أكبر دليل على تمسك الأكراد بوحدة التراب العراقي أنهم انطلقوا إلى.. إلى قلب العاصمة العراقية بغداد للتنسيق مع الفعاليات الأخرى والأحزاب الأخرى، كيف تنظر إلى دخولهم بغداد وتوجههم إلى يعني إلى.. إلى هذا المكان بشكل خاص؟

سليم مطر: المشكلة اللي أؤكد عليها، واللي أحب أبقى دائماً عليها وأرجع إنه هذه الازدواجية يعني إنه الأكراد، القيادات الكردية طلباني بالذات والتيار البرزاني والتيار الطالباني، لو كان الآن توجههم ببغداد.. إلى بغداد قائم على أساس إيمان كامل بانتماءهم العراقي المسألة ما تهم ok، بس المشكلة إذا كانوا يتوجهون إلى بغداد بدافع الاستيلاء فقط، وبدافع فرض شروطهم القومية، فهذا الأمر يختلف، كمثال نرجع إلى مسألة إنه الطروحات القومية المنافية للوحدة العراقية، نترك الآن المسائل الفكرية، تعال روح للمناطق الكردية في منطقة سوران ومنطقة بهدنان، هل تشاهد وجود للعلم العراقي؟ لأ.. موجود علمين كرديين علم الطلباني وعلم البرزاني، هل تشاهد قطع حتى قطع بالشوارع مكتوبة بالعربي؟ لأ.. إنه فقط تشاهد قطع مكتوبة بالكردي، بالسوراني، والبهدناني وكذلك بالإنجليزي، طيب هل تشاهد وجود للغة العربية في المدارس؟ لأ.. طيب إذا كان يطبقون في المناطق الكردية يريدون يطبقوه على العراق، فهنا المسألة تبدأ المشاكل، فالمشكلة إنه الأكراد يجب أن يغيروا مو فقط بشعاراتهم، لأن هاي شعارات لا توكل ولا.. لا.. العراقي الآن أصبح ما يكفي من الذكاء وما يكفي من التجارب بحيث ما عادت تنطلي عليه الشعارات، وأعتقد صدام حسين رباه وأعطاه درس كبير جداً بأكاذيبه، علم الشعب العراقي بأنه يكتشف الحقيقة، ويكتشف الزيف، فهذه الشعارات، كل الشعارات اللي تطرحها الحركات العراقية للأسف، ما إلها أساس من الواقع، يعني شعار الوحدة العراقية يجب أن.. أن يدعمه تفاصيل، يعني كل الطروحات الكردية تؤكد على أن كركوك هي قدس الأكراد، طيب.. أنت شلون تدعون إلى الوحدة العراقية وليل نهار تدعون إلى أن كركوك قدس الأكراد، طيب شون تدعون إلى الوحدة العراقية وبنفس الوقت أنتم في حالة مشاكسة تامة مع التركمان، وبنفس الوقت طردت العرب اللي ساكنين في كركوك من.. من بيوتهم، طيب شلون تدعون إلى الوحدة العراقية وبنفس الوقت إنه فجأة أنتو فتحتوا ۲۰ مقر للحزب الديمقراطي الكردستاني فتح فجأة بفترة واحدة، بيوم واحد ۲۰ مقر في بغداد، طيب منين إجت هاي المقرات، إذا مقر واحد كان، فهاي السلوكيات اللي تنافي الوحدة العراقية ما تبشر بالخير للأسف، ولهذا أدعو إلى مراجعة تامة لكل الأحزاب العراقية وبالذات الأحزاب الكردية، أن يتراجع فعلا، طيب خلينا نكون واقعين، ما مفهوم الأمة؟ وين كانت موجودة كردستان ثم الأمة العربية خلينا نأخذها لأنه دائماً الأكراد الحقيقة يشبهون نفسهم بالأمة العربية، طيب هي الأمة العربية إمتى كانت دولة؟ خلينا نكون واقعين، يعني هذا الطرح البعثي القومي اللي أقنعنا ليل ونهار بأن الأمة العربية كان.. إمتى كانت دولة؟ مصر عمرها دائماً بعد حوالي ۲۰ سنة بعد الهجرة صارت دولة، والعراق انفرد صار دولة عباسية وبغداد وتحارب مع الدولة الأموية في الشام، والمغرب سوى دوله، طيب إمتى كانت دولة عربية حتى.. حتى انفصلت؟ وإمتى كانت دولة كردية حتى انفصلت؟ إيران، كردستان، المنطقة الكردية في إيران من من قرون طويلة جزء من إيران، المنطقة الكردية اللي في العراق من أيام العباسيين يسموها العراق الأعجمي، يسموها منطقة الجبال، جزء من الدولة العباسية وجزء من ولاية بغداد، زين طيب إمتى كانت دولة كردستان؟ وصلاح الدين إمتى كان يحكي باسم الأمة الكردية؟ رجل ولد في تكريت وما أخذ وياه عشر أكراد من راح إلى سوريا ورجل صار باسم الدولة الأيوبية باسم الدولة الإسلامية، لا حكى بالأمة العربية ولا حكى بالأمة الكردية.

طيب هذا.. هذا الطرح العرقي القومي اللي تعلمناه من حزب البعث والقوميين العرب، واللي يحاولون يطبقوه الأكراد، أكل عليه الدهر وشرب، وأثبت بأن كل مشاكل العراقيين بسببه، يجب أن ننتمي إلى الأرض، يجب أن ننتمي إلى أرض العراق، إلى تاريخ العراق بمختلف تنوعاته، بمختلف فئاته، يجب أن نكسر هذا الفهم القومي العرقي اللي قام على أساس الانتماء للغة والعرق، يجب أن ننتمي للأرض، يجب أن ننتمي للأرض، موجود أرض النهرين، موجود العراق، وأنا مستعد وموافق على إنه أي كردي يصير وزير دفاع ويصير رئيس جمهورية، وياخد كل القيادات بيده، مو مشكلة، بس بشرط واحد وحيد أن يؤمن بالانتماء العراقي، ولا يؤمن لا بانتماء شيعي ولا بانتماء قومي كردي ولا بانتماء قومي عروبي، انتمائنا القومي الوحيد هو الانتماء للأمة العراقية، يعني هذا اللي أدعو إله..

د. فيصل القاسم: طيب.. بس سيد مطر.. بس سيد مطر.. بس سيد مطر يعني هذا كلام جميل جداً وأنت تعلم أن هذا الكلام لم يحققه الأوروبيون إلا بعد مئات السنين وأنهار وشلالات من الدماء، مفهوم المواطنة، وأنت تريد يعني أن تحققه للعراق الذي كان يرزح تحت نظام طاغوتي ديكتاتوري من أسوأ الأنظمة الذي شهدها التاريخ، تريد أن يحقق العراقيون هذه الصيغة بلمح البرق، الأكراد والقيادات الكردية الآن تتحدث عن ضرورة تحقيق الديمقراطية والحوار وهم داخلون في هذه اللعبة، ولم لا يعني.. لم لا يتمسكون بقوميتهم وبلغتهم وبشعاراتهم كما هو الحال كما ذكر الدكتور قبل قليل في.. في بلجيكا، في سويسرا، في كل هذا الكلام الانتماء للبلد، الانتماء للأرض، للوطن بغض النظر عن كونه فرنسياً أو ألمانياً أيضاً ما هنالك من هذا الكلام، يعني لا يتناقض الطرحان إذا صح التعبير الطرحان الكرديان، أنت يعني تحاول دائماً أن تشكك في اتجاهاتهم تفضل.

سليم مطر: آلو.

د. فيصل القاسم: تفضل يا سيدي.

سليم مطر: بالحقيقة ما.. جبت مثال سويسرا، أنا عايش بسويسرا وموجود ثلاث أمم موجودة الأمة الألمانية (السويس ألمان) يسموهم، الأمة الفرنسية يسموهم (سويس رومان)، والأمة الإيطالية، بس مستحيل واحد يقول أمة إيطالية، موجود أمة واحدة هي الأمة السويسرية، وإذا يتم الحديث عن.. عن الألمان يتحدثون Group Language..)) إنه مجموعة لغوية مستحيل تنطق اسم أمة، ما موجودة أمم في سويسرا ولا موجود الشعوب في سويسرا، موجود شعب واحد يسموه الشعب السويسري، وأمة واحدة هي الأمة السويسرية، ولكن إحنا باسم المفهوم القومي العرقي اللي يحاولوا يفرضوه الأوروبيين وللأسف الأكراد والتركمان والسريان تبنوه، إنه صارت عندنا أمم وشعوب وقوميات وكل واحد عنده، طيب أنت خذ شمال العراق كمثال بسيط، كان مشروع إمبراطوري في شمال العراق، موجود مشروع الإمبراطور.. إمبراطورية كردستان الكبرى، موجود مشروع إمبراطورية طوران تركستان اللي تمتد من حدود الصين إلى حدود يوغسلافيا، وموجود إمبراطورية مشروع أمبراطورية آشورستان اللي.. اللي يضم كل شمال العراق وجنوب تركيا، يعني هاي المنطقة الكردية ها، والمشروع كردستان الكبرى اللي يمتد من الخليج العربي لحد خليج الإسكندروية على سوريا، وتدخل الآن لمكاتب كل الأحزاب الكردية القومية، وتشوف عليهم شعار رسم كردستان الكبرى من الخليج إلى الإسكندرونة، طيب هذا موحكي خلينا نكون واقعيين، خلينا نكون ضميريين، وين العراق؟ في.. في.. وينه بأي محل من الإعراب وين العراق؟ شو ها الازدواج، ها مشكلة الشعب العراقي اللي عانى من الازدواجية، موجودة عندنا أمم، موجودة الدعوة لإمبراطورية إسلامية باسم الإسلام وإمبراطورية عربية باسم العروبة.

د. فيصل القاسم: القومية.

سليم مطر: وإمبراطورية أممية باسم الماركسية، وبالتالي العراق غايب، فالآن أعتبر ودائماً أقولها إنه صدام ليس سبب، صدام النتيجة، صدام مو هو اللي خلق لنا المشاكل، صدام هو نتيجة لهذه المشاكل، صدام استثمر هاي المشاكل وعمقها وطورها.. وطورها بالشكل الديكتاتوري العنفي الدموي، ولكن هاي المشاكل موجودة من بداية القرن العشرين، من بداية الدولة العراقية، إحنا مين وقعنا بهاي الطروحات القومية والطروحات الطائفية، الدولة العراقية من تكونت هي دولة طائفية، الدولة العراقية من تكونت هي دولة.. دولة قومية عرقية، فهاي المشكلة قديمة ما خلقها صدام، لا نحاول إنه هاي.. هاي أسلوب الضحية لازم نتخلص منه، إحنا السبب، أجيالنا المثقفة وأجيالنا السياسية كلها تتحمل المسؤولية عن الدمار والكوارث اللي عاشها العراق بسبب عدم اهتمامها بالهوية العراقية، عدم اهتمامها بإحياء الأمة العراقية، وهذا منقذنا الوحيد بدون إحياء هوية الأمة العراقية مستحيل أن نقدر نبني ديمقراطية، الديمقراطية راح تكون نتيجة لترسيخ وحدتنا الوطنية، وليس العكس، ليس بالديمقراطية نبني الوحدة الوطنية بالعكس بالإيمان بالوحدة الوطنية، بالتربية الثقافية، بالتربية السياسية..

د. فيصل القاسم: تتحقق الديمقراطية..

سليم مطر: بالإيمان الفعلي.

د. فيصل القاسم: تتحقق الديمقراطية.

سليم مطر: تتحقق الوحدة الوطنية ثم الديمقراطية

. د. فيصل القاسم: كويس جداً.. كويس جداً دكتور.. دكتور.

سليم مطر: ليس.. الديمقراطية ما.. زمن الملك كان ديمقراطياً، في زمن الملك كان ديمقراطية بس بعد ما انتهت بمأساة لما كان مفهوم الوحدة الوطنية، ما كان مفهوم الهوية الوطنية العراقية، هذه هي القصة مفهوم الوطنية العراقية، أنه نؤمن بالوطنية العراقية هو هذا مجال.. أن نؤمن بعميق بشكل فكري، بشكل أيديولوجي، وليس كشعارات سياسية تكتيكية للخداع وللكسب.

د. فيصل القاسم: كويس.. كويس جداً دكتور قره داغي كلام جميل، في واقع الأمر كلام في غاية الأهمية.. في غاية الأهمية.

د. علي القره داغي: نعم.. كلام.. كلام جميل ولكن هذا الكلام الجميل حقيقة في بعضها.. في بعضها أنا معه، في بعضها.. في بعض هذا الكلام فيه يعني نوعاً من ۱٨۰ درجة إلى ۱٨۰ درجة عكسي مثلاً:

يطرح الأستاذ مطر أنه يقول خلاص لا يمكن أن يكون هناك فكرة القومية ولا فكرة.. أنا معه من حيث المبدأ من هذا، يعني كرجل صاحب فكر إسلامي بهذا المجال، ولكن وهو يطرح نوعاً ما فكرة الأممية التي طبقتها الشيوعية وفشلت فيها حقيقة في الاتحاد السوفيتي، فالآن هو..

د. فيصل القاسم [مقاطعاً]: وفشلت فيها القومية العربية إلى حد كبير.

د. علي القره داغي: وفشلت القومية العربية.. نعم فإحنا لا مع القومية العنصرية ولا مع انصهار القومية تماماً، الإسلام ماذا يقول: (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا(. د. فيصل القاسم: و(وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ( د. علي القره داغي: معنى إيش لتعارفوا، يعني بعض لكي يعترف بعضكم على لبعض ويستفيد بعضكم من بعض وتكونوا قوة ويندمج هذا هو الأمر.

د. فيصل القاسم: ويندمج..

د. علي القره داغي: أما ولذلك هذا مطلوب، فلذلك صهر القوميات مرة واحدة في بوتقة شمولية لا يمكن، ولكن إحنا عندنا مجموعة من البوتقات ممكن نستفيد منها، إنه معه في هذا، عندنا شعب العراق الحمد لله شعب مسلم، عندك الانتماء الإسلامي الأساسي، هذا أهم انتماء تنتمي إليه جميعاً، عرباً وأكراداً وسنة وشيعة، نسبة بسيطة وهم حقوقهم محترمة ومحفوظة على العين والرأس، كذلك هناك الوطنية العراقية -لا بأس بها- يعني لا بأس من أن الإنسان ينتمي إلى وطنه وحب الوطن هو صحيح هو ليس حديثاً، لكنه حقيقة قاعدة فقهية أساسية، وحب الوطن الإسلامي والدفاع عنه وخدمة هذا من الإيمان لا شك من ذلك، والوطنية إحنا كنا نتمنى فعلاً هذا الكلام الذي يقوله أخ مطر، كنا نرى أمام نفط كركوك ليش الأكراد هم الآن يقولون: كان مكتوب النفط العربي للعرب، يا أخي هذا النفط يستخرج من أرض يعني في منطقة كردية أقول.

د. فيصل القاسم: بس هو السيد مطر لم.. لم -يعني- لم يجز إذا صح التعبير المشاعر القومية العربية أيضاً، قال لك إنه ها المشكلة إذا كان هناك مشكلة في القومية الكردية، هناك مشكلة أكبر في القومية العربية.

د. علي القره داغي: أعود إلى هذا الموضوع، أقول فلما قال فإحنا قلنا طيب خلو نفط المسلمين للمسلمين، حتى يشملنا.

د. فيصل القاسم: النفط العراقي للعراق..

د. علي القره داغي: النفط العراقي للعراق كنت أقول هذا الكلام، أو مثلاً في تركيا مكتوب: كن تركيا تكن سعيداً، طيب إذا كنت كردياً تكون شقيا لماذا؟ طيب أخي أقول هذه الشعارات هي التي أدت بالشعب الكردي أنا مو مع.. لست مع الشعارات القومية، إحنا خلي ندرس وأستاذ مطر يعرف هذه المسائل -يعني السيكولوجية لهذه المسائل، الشعب الكردي كان آخر الشعوب انتماء للقوميات وتبني للقوميات، كان العرب سبقوهم وكان الأتراك سبقوهم، فهم جوا، أنا لست مع.. الآن الحمد لله يجب علينا نستفيد.. أنا أقول تستفيد من هذه الظروف لصهر الأكراد في بوتقة الإسلام والوطنية العراقية.

د. فيصل القاسم [مقاطعاً]: يعني كويس جداً.. طيب بس باختصار.. لكن مش معاي وقت كتير بس.. ما عاد عندي وقت كتير باختصار بنص دقيقة، هل أنت متفائل بمستقبل الأكراد في العراق؟ بنص دقيقة.

د. علي القره داغي: أنا متفائل بمستقبل الأكراد بالعراقيين جميعاً حتى ما نقول ومنهم الأكراد، ولكن..

د. فيصل القاسم: يعني باختصار..

د. علي القره داغي: ولكن.. ولكن في نفس الوقت أنا متشائم من الاحتلال لابد أن أقول هذا.

د. فيصل القاسم: كويس جداً.. كويس جداً سيد بوتاني باختصار أيضاً، كيف تنظر إلى المستقبل؟ هل تنظر بتفاؤل؟ وخاصة مستقبل قضيتكم الكردية؟

عمر بوتاني: باختصار شديد أريد أن أعدل بعض معلومات السيد مطر، أولاً: العلم الكردي يرفرف فوق برلمان كردستان، وهذا بقرار من برلمان إقليم كردستان، اللغة الكردية عندما يكتب على المحلات لغة رسمية بقرار من المركز، وضمن الاتفاقات التي حصلت بين الأكراد والمركز، وكردستان تابعة لولاية الموصل وليس ولاية بغداد، نحن متفائلون بعراق المستقبل، والآن بدأت خطوات الديمقراطية -ولو محدودة- في ضمن الولايات أو المحافظات، ولكنها نجد بأن الخطوات تتجه نحو الديمقراطية وحرية الرأي، ونحن متفائلون ومتفائلون جداً بالأخوة العربية الكردية وبالتسامح القومي والديني والطائفي في داخل العراق الديمقراطي الموحد الفيدرالي.

د. فيصل القاسم: يعني لا يمكن الحديث عن.. عن تشاؤم، البعض يقول: إنه يعني البلاد متجه نحو تقسيم المقسم وتجزيء المجزأ، أنتم لستُ.. لستم قلقين حيال هذا الوضع.

عمر بوتاني: لا يوجد هذا الشيء..

د. فيصل القاسم: طيب سيد سليم مطر كيف تنظر أنت إلى المستقبل؟ الجميع تقريباً جميع الفصائل العراقية يعني تبدو متفائلة يعني على صعيد إحلال نوع من الديمقراطية والحوار إلى ما هنالك، هل تنظر أنت بعين التفاؤل فعلاً إلى هذا المستقبل؟

سليم مطر: أنا متفائل بسبب نظري جداً بسيط، أنا أعتقد إنه إذا نتكلم بمفهوم الطاقة فإنه العراقيين الطاقة السلبية أعتقد فرغوها بكل هذه المؤاساة وهذه الكوارث اللي عشناها خلال أجيال، انتهت عندها الطاقة السلبية أعتقد دي كلها، والآن العراق أنا أعتقد بيمر بحالة ولادة جديدة مثل ما مر بالحرب العالمية الأولى بولادة مشوهة على إيد قابلة إنجليزية، فالآن دا يمر في حالة ولادة، ولكن هذه الولادة، صحيح هي ولادة مشوهة على إيد القابلة الأميركية، ولكن أعتقد إنه التجربة السابقة.. الولادة المشوهة السابقة، التجربة السابقة اللي عشناها خلال ٦۰-٧۰ سنة تمنحنا الآن الشعور إنه ها نؤمن بأنه الشعب العراقي بمختلف.. عندي أصدقاء أكراد وعندي أصدقاء تركمان وعندي أصدقاء من كل الفئات، الكل هذا المسألة اللي تجمعهم هو الإدراك بأنه الانتماء للعراق، وهذه الانتماءات الفئوية والقومية هي سبب كل مشاكلنا، والديكتاتوريات ما تهمه إنه ليش هذه مجموعة من الرعاع تستطيع أن تنهض، ليس بذكاء وليس بعبقرية، ولكن لأننا متفرقين، لأن كل واحد عنده مشروعه الخاص، والآن العراقيين أدركوا بأن الانتماء للهوية العراقية هو خلاصهم الوحيد، تلاحظ الإسلاميين وتلاحظ الجميع يدركون، بس المشكلة اللي يعانوا منها هي المشكلة الفكرية إنهم ما قادرين لحد الآن إنه يطورون أفكارهم لقاء هاي الحاجة الجديدة اللي فرضت نفسها على الساحة، الحاجة للهوية العراقية، ولهذا أتمنى من إخواننا المثقفين الأكراد، المثقفين الإسلاميين، والمثقفين الماركسيين أن يدركوا هاي الحاجة اللي يريدها الشعب العراقي وهي الحاجة إلى بناء إعادة هوية العراق، إلى إحياء الهوية العراقية.

د. فيصل القاسم: طيب أشكرك.. أشكرك جزيل الشكر، مشاهدي الكرام لم يبق لنا إلى أن نشكر ضيوف البرنامج عبر الأقمار الصناعية من لندن السيد سليم مطر (الكاتب والمفكر العراقي) ومن بيروت السيد عمر بوتاني (ممثل الحزب الديمقراطية الكردستاني في القاهرة) وهنا في الأستوديو الدكتور علي القره داغي (رئيس قسم فقه الأصول في جامعة قطر، وأيضاً رئيس الرابطة الإسلامية الكردية)، تحية طيبة وإلى اللقاء.


الناشر: دار اسامة ـ دمشق، بيروت ۲۰۰۲

امارة حلب في ظل الحكم السلجوقي

تأليف: محمد ضامن

تناول البحث «امارة حلب في ظل حكم السلاجقة» ٤٧٩ ـ ٥۲۲ ه/ ۱۰٨٦ ـ ۱۱۲٨م، وقد كانت هذه الفترة غنية بأحداثها مليئة بالتقلبات العسكرية والسياسية، فبعد ان عاشت امارة حلب فترة طويلة في ظل الحكم العربي ممثلا بالحمدانيين والمرداسيين وفترة قصيرة تحت حكم العقيلين سقطت بيد السلاجقة ورزحت تحت حكمهم المباشر، وعلى الرغم من التفكك والتمزق الذي عانته امارة حلب وعانت منه اثناء فترة الاحتلال التركماني السلجوقي التي اضعف البلاد واضعفت القوة العسكرية للمنطقة امام الغزو الفرنجي الصليبي، وعلى الرغم من التأخر الاقتصادي الذي عم المنطقة نتيجة القتل والنهب والتدمير والتشتيت الذي قام به التركمان والسلاجقة وقف الحلبيون من هذه الاحداث موقفا مشرفا، اعطوا من خلاله اروع الامثلة في التضحية والفداء فكانوا يقاتلون اعداءهم بكل جرأة وبسالة حتى في ايام الوباء والمرض حيث كانوا يقومون من مرضهم اذا دق النفير ليقاتلوا الاعداء كأنهم نشطوا من عقال ثم يعودوا الى فراش المرض.

بحث الكتاب في فصله الاول جغرافية حلب اعتمادا على ما اورده الجغرافيون والرحالة العرب الذين وصفوا اراضي الشام الشمالي وتحدثوا عن الموارد الطبيعية ولا سيما الملح والمحاصيل سواء الزراعية من حبوب وقطاني وخضروات ام منتوجات الاشجار المثمرة والاحراش، وقد اسهم ذلك كله في الحياة الاقتصادية.

ويعتبر الفضل الثاني كتمهيد لموضوع الكتاب اذ يوضح الخلفية التي قام عليها حكم السلاجقة في امارة حلب، فقد تضمن عرضا موجزا عن قيام دولة السلاجقة منذ بدء تحركاتهم وحتى قضائهم على الدولة الغزنوية في خراسان ثم لمحة عن اوضاع حلب قبل وصول السلاجقة اليها والصراع الذي كان قائما بين الامراء المرداسيين وقد جرت خلافاتهم واستعانتهم بالغز التركمان الويلات على المنطقة حتى ان بعض الامراء استعان بهم ضد اخوتهم او ابناء عمومتهم، مما جعل دورهم يتزايد يوما بعد يوم، الى ان اصبحوا اكثر قوة والاقدر على توجيه الامور في المنطقة ورسم سياستها وتقرير مصيرها بحيث لم يعد يمكن اهمال هذا الدور في المستقبل ولم تعد قبيلة كلاب صاحبة الكلمة الفصل في شمال بلاد الشام وتتبع الكتاب الاساليب والطرق التي استخدمتها جماعات الغز التركماني في تحركاتها غربا والتي مهدت الطريق امام الجيوش السلجوقية المنظمة.

يتعرض الكتاب ايضا لبدايات دخول التركمان السلاجقة الى بلاد الشام عن طريق ديار بكر وربيعة، وكانت الامارة السلجوقية المنظمة شروعاً بحملة «ألب ارسلان» في سنة ٤٦۳ه/۱۰٧۱م الذي اخفق في اختراق اسوار حلب وتعذر عليه ذلك بسبب المقاومة الصلبة والدفاع المستميت لاهل حلب، كذلك اخفق «تتش» في السيطرة على حلب، مما دفع اهل حلب لاستدعاء الامير العربي مسلم بن قريش امير الموصل لحكم حلب، فأقام فيها الدولة العقيلية على انقاض الدولة المرداسية، وعمل على توحيد الشام كله تحت سلطته وحاول الاستفادة من الفاطميين لمساعدته في تحرير دمشق وطرد السلاجقة منها وضمها الى دولته وكان موقف اهالي الشام من حكم السلاجقة موقف صدام ومقاومة منذ بدء حكمهم وحتى انتهائه.

يعرف الفصل الثالث ب«آق سنقر» وكيفية تعيينه حاكماً على حلب من قبل السلطان ويستعرض الآراء حول تسلمه امارة حلب وسياسته الداخلية والنتائج التي تمخضت عنها حيث ادت الى معاودة الناس الى التجارة واغراق اسواق حلب بالبضائع في ايامه ورخص الاسعار وتداعي الناس للسكن فيها لينعموا بالامن والاستقرار الذي شهدته الامارة، ويتعرض ايضا الى صراع «آق سنقر» مع «تتش» وتوسعه في الشام وقد انتهى الصراع بموت تتش في معركة سبعين وبمقتله انتهت الفترة الاولى من حكم السلاجقة في حلب.

تناول البحث فترة وصول رضوان تتش الى الحكم ومحاولاته استعادة املاك ابيه وموقفه من اركان دولته وبالقوى المحيطة بحلب، كالعلاقة مع الخلافة العباسية والسلطنة السلجوقية، التي كانت علاقات شعبية، بينما كانت علاقاته مع الخلافة الفاطمية علاقة مصالح متبادلة، اما موقفه من الفرنجة والصليبيين فقد كان في البداية سلبيا، لكنه انقلب عليهم بعد حصار المعرة وتدميرها من قبل الصليبيين اذ قام بتجهيز جيش لاخراجهم منها. بعد ذلك يتحدث عن حصار الصليبيين لحلب مما اجبر رضوان على دفع اتاوة لهم، الى حين وفاته، ووصول الأراتقة اليها، فقد كانت هذه الفترة مليئة بالقلاقل والاحداث المتسارعة التي اوصلت حلب الى اضعف فترة في تاريخها.

يتناول الفصل الرابع الاراتقة في حلب، بدءاً بوصول الامير الارتقي ايلغازي والظروف التي احاطت بوصوله الى حلب والاجراءات التي اتخذها لتأمين سيطرته الكاملة على المدينة وعلاقته بالفرنجة والصليبيين التي تميزت بكثرة المعارك التي خاضها ضدهم وأشهرها معركة «ساحة الدم» الذي انتصر فيها ايلغازي نصراً حاسماً وقد نظم بعدها امور حلب الادارية ونظر في شكاوى السكان والغى بعض الرسوم والضرائب واصبحت المدينة بعده منطقة صراع على السلطة بين الاراتقة الذين خلفوه وقد انعكس الصراع على اهالي حلب بسبب العنف الذي كان يستخدمه عليهم، وحين كانت تتعرض لهجمات الصليبيين لم يبق فيها إلا اهلها يدافعون عنها، وكان الصليبيون يتمادون في عدوانهم، حتى وصل الامر بهم الى نبش القبور واحراق جثث الموتى وقد استمرت الفوضى السياسية والادارية حتى وصول عماد الدين الزنكي.

تضمن الفصل الخامس اهم مظاهر الحضارة في حلب في تلك الفترة، فالنظم الادارية مستمدة من نظام حكم السلاجقة في الشرق، وكان السلطان رأس الحكم في الامبراطورية، ينيب عنه نواباً وولاة في الاقاليم، وفي حلب كان يطلق على نائب السلطان لقب والي او ملك، يتبعه نواب او حكام في المناطق، وفي داخل المدينة كانت الوظائف التي تسيّر دفة الحكم والصلاحيات يتمتع بها الوالي والوزير والحاجب والعارض والشحنة والمستوفي وكذلك رئيس المدينة ومقدم الاحداث وامير القلعة.

يتناول هذا الفصل ايضا النسيج السكاني لشمال بلاد الشام،فقد عاش في هذه المنطقة خليط من السكان منذ القرن الخامس الهجري، اغلبهم من العرب المتحدرين من قبيلة كلاب وبعض القبائل الاخرى الاقل شأناً، والى جانبهم سكنت عناصر اخرى كالاكراد والارمن ومن ثم التركمان الذين توافدوا على المنطقة منذ سنة ٤٥٦ه/۱۰٦٤م وبلغ اوج تدفقها مع حملتي الب ارسلان وملكشاه ورغم ذلك ظل العرب هم العنصر الاقوى والمسيطر على مناحي الحياة الاقتصادية دون امور الحكم والسياسة.

وناقش الكتاب ايضا دور الاسر الكبيرة الغنية التي كانت تتناوب على زعامة المدينة ودور عامة الشعب كالاحداث الذين شكلوا تنظيما شبه عسكري وقاموا بأدوار سياسية في حلب وعبروا باشكال مختلفة عن رفضهم لكل طامع اجنبي في بلدهم، وحاولوا اقامة حكم شعبي لكنهم اخفقوا بسبب استيلاء السلاجقة على المنطقة.

بعد ذلك يتحدث عن الفلاحين ودورهم في العملية الانتاجية ومعاناتهم في ظل ملاك الاراضي والحكام وقد ظلوا العنصر الاكثر ارتباطا بالارض ولم يقصروا في المشاركة والدفاع عن بلادهم وحملوا السلاح بشكل تلقائي وساهموا في مقاومة الغزاة، كذلك يتعرض لطبيعة الارض في المنطقة وملاءمتها للزراعة وللملكية الزراعية وطرق الزراعة وادواتها واساليب رّيها والمحاصيل الزراعية وتنوعها واسباب هذا التنوع في تمويل الخزينة وكانت مصدراً من مصادر الغذاء للسكان ومادة اساسية للزراعة والنقل والجر والتبادل التجاري واشار الى باقي المنتجين كالحرفيين والصناع والعمال وصغار الموظفين ودورهم في انتاج الادوات والمواد والسلع الاستهلاكية التي يحتاجها المجتمع.

كانت شمال بلاد الشام ملتقى الطرق التجارية بين المشرق ومصر وبيزنطة، وحلب كانت مركزاً تجارياً كبيراً على مر العصور، تجلب اليها البضائع المختلفة من سائر البلدان ويتحدث الكتاب عن العوامل التي اثرت على ازدهار التجارة أو تدهورها كما يتحدث عن التجارة الداخلية والاسواق والتجارة الخارجية وشبكة المواصلات الكبيرة المارة بحلب واخيراً يتحدث عن الموارد المالية وطرق جبايتها وانفاقها وبعضاً من تقديراتها.


(تقرير الأزمة العراقية المرقم ۲٤، ۲٥ حزيران ۲۰۰۳)

التركمان تحت التهديد

نرمين المفتي

(الاقليات في العراق لازالت تواجه ضغوطاً من الأغلبية العربية والكردية)

لثلاث عقود مضت قام صدام بتعريب المنطقة الشمالية وذلك بجلب عرب الأرياف من بغداد ومن الجنوب وإحلالهم مكان الاقليات غير العربية مثل التركمان والأكراد والآشوريين. أما الآن وبعد سقوط النظام فهناك حملة “للتكريد في مدن كركوك وطوز خرماتو التي يشكل التركمان ٥۰% من سكانها.

الحزبان الرئيسيان في الشمال، الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يرأسه مسعود البرزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني الذي يرأسه جلال الطلباني، قاما بجلب آلاف الأكراد من مناطق الشمال وإسكانهم في مدينة التعددية العرقية كركوك التي كانت تحت سيطرة صدام حتى سقوطه.

حتى جدران كركوك المغطاة بإعلام وأسماء كردية الآن، قد بدأت تتكلم اللغة الكردية.

لقد أصرت قوات التحالف أن يشكل مجلس مدينة كركوك من عضوين من كل من الأكراد والعرب والتركمان والآشوريين. لكن هناك مصادمات بين العرب والأكراد، ومجادلات بين الأكراد والتركمان.

ودون أن تحل مشكلة الاقليات فهنالك المزيد من المشاكل على الطريق.

يشكل التركمان الذين يسكنون وسط وشمال العراق ثالث مجموعة عرقية بعد العرب والأكراد، وقد جاءوا من آسيا الوسطى واستقروا في العراق منذ آلاف السنين في هجرة استغرقت مئات السنين، حيث سيطروا على البلاد ستة مرات منذ تكوين دولتهم الأولى في شمال العراق سنة ٦۰۰ ق. م.

أن عدد التركمان الآن هو مسألة نقاش مع الأكراد العراقيين الذين يدعون أن كركوك وما حولها هي مناطق كردية معتمدين على إحصاء عام ۱٩٥٧ حيث بلغ عدد التركمان ٥٩۰ الف من اصل ٦ مليون، وهذا يعني أن عدد التركمان في العراق هو بحدود ۲ مليون يقطن حوالي نصفهم في تخوم الجبال الكردية في محافظة الموصل واربيل وكركوك.

ومنذ السبعينات كان سكان المنطقة الشمالية من غير العرب هدفاً لصدام ونظامه، حيث التركيز على العرب وعلى حساب الاقليات غير العربية، وكان الأكراد والتركمان ضحايا لتعريب في مناطق الثروة النفطية حيث يشكلون الأغلبية. ومعظم المهجرين كانوا من الفقراء غير المتعلمين من التركمان خاصةً في كركوك. ونتيجة لهذا التهميش غادر معظمهم المدينة.

آلاف القرى دمرت وطرد سكانها أو اجبروا للعيش في المناطق النائية في الشمال. ومعظم الحقوق التي حصل عليها الأكراد والتركمان مثل التعليم بالغة الكردية والتركمانية في المدارس الابتدائية والبث الإذاعي والتلفزيوني اليومي والصحف، قد تم مصادرتها في عام ۱٩٧۲.

وبحسب بعثة حقوق الإنسان فان نظام صدام قام بأساليب متنوعة ممارساً ضغطه على الأكراد والتركمان والآشوريين لهجر بيوتهم. ومن ضمن الأساليب تلك ما يدعى (تصحيح الجنسية) حيث اجبر الاقليات على الانخراط في صفوف حزب البعث والمنظمات الطوعية الأخرى ضاغطين على العوائل في كردستان في محاولة لتجنيد مخبرين للنظام.

ومورس تصحيح الجنسية في عام ۱٩٩٧ حيث طلب من سكان كركوك، خانقين، مخمور، سنجار وطوز خرماتو وبعض المناطق الأخرى أن يتخلوا عن هويتهم وان يسجلوا بشكل رسمي كعرب. ورغم أن البعض قد انصاع للأمر إلا انهم ضلوا محرومين من فرص العمل حتى في الزراعة ولم يسمح لهم بشراء أو بناء البيوت، والبعض الذي رفض ذلك اجبروا على ترك منازلهم.

وعند تحرير كركوك في أبريل، قام الأكراد البيشمركة تساندهم قوات التحالف بإعادة القول أن كركوك هي قلب كردستان. والأحزاب التركمانية التي دخلت المدينة سلمياً تقول أن لا كركوك دون تركمان ولا تركمان دون كركوك. ومن هنا بدأت المخاوف.

ومنذ سقوط النظام قامت تلك الأحزاب بإنشاء محطة محلية للبث الإذاعي والتلفزيوني وعدد من الاتحادات المهنية. وقد قام مظفر ارسلان مؤسس الجبهة الوطنية للتركمان في العراق وهي مؤسسة غطاء للأحزاب التركمانية في المنفى، بقيادة الكفاح المسلح للدفاع عن حقوق التركمان.

في مقابلة معه قال "حرصنا منذ البداية على المقاومة السلمية، سنحصل على حقوقنا بمساعدة جماهيرنا، لا شيء يمكن الحصول عليه دون مساندة الجماهير. وصدام خير مثال على ذلك فقد حصل على كل شيء عدا الإسناد الجماهيري الذي تسبب في سقوطه”.

لقد طلبت مؤسسات حقوق الإنسان من القوات المحتلة اتخاذ عدد من الإجراءات للدفاع عن حقوق الاقليات ومنها الحفاظ على كل السجلات الخاصة بالعرقية والمكان الأصلي للمهجرين العراقيين وإنشاء سجل عام لكل الأكراد والتركمان والآشوريين الذين اجبروا على ترك منازلهم.

لقد طالب ارسلان الحفاظ على كل الوثائق الرسمية التي تضمن عائدية الأراضي في تلك المناطق.

ويقول ارسلان “يمكن حل هذه القضية بالرجوع إلى الحقائق، دون الحاجة للسلاح أو التخويف والإرهاب. كل العراقيين يحصلون على حقوقهم بموجب الدستور“


من أرشيف صحيفة الشرق العربي

التركمان المنطقة الضعيفة في الحرب في العراق الشمالي

سونير كاجابتي
منسق لبرنامج البحث التركي في معهد واشنطن

مع بدء الهجوم رسمياً في الجبهة الشمالية في العراق اليوم، فقد تتحرك قوات التحالف قريباً تجاه مدينة كركوك، والتي بدأ في قصفها في ۲۱/۳. كركوك التي يطالب بها الأكراد على أنها العاصمة المستقبلية لمنطقة كردية في عراق ما بعد الحرب، هي معقل الأتراك، وهم جماعة ناطقة بالتركية تشترك في روابط حميمية تاريخية واجتماعية وثقافية مع أتراك الأناضول في تركية المجاورة. وسيتم التدقيق في مصيرهم في تركية أثناء وبعد عملية تحرير العراق.

ـ خلفيـة:

لا توجد معلومات معاصرة يمكن الاعتماد عليها حول حجم التركمان السكاني. إن الإحصاء العراقي السكاني في ۱٩٥٧، آخر إحصائية سمح للتركمان فيها بالتسجيل، أحصت وجود ٦٥٧ ألف من التركمان (٩% من مجموع الشعب) بين الشعب العراقي الذي كان عددهم يبلغ ٦. ۳ مليون لقد أحصى التعداد أيضاُ وجود ٨۱٩ ألف من الأكراد (۱۳% من الشعب).

قد تكون نسبة التركمان في الشعب العراقي قد ازدادت منذ ذلك الوقت. فالتركمان أكثر مدنية وينتمون بشكل أكبر إلى الطبقة الوسطى من الإثنيات الإسلامية الأخرى في العراق، لذلك فإن من المرجح أن يكونوا قد شهدوا نمواً سكانياً. إضافة إلى ذلك، فسياسات التعريب التي فرضها حزب البعث، بما فيها حظر التعليم غير العربي، والإذاعة، والجمعيات وكذلك طرد غير العرب من المدن الكبرى من شمال العراق، يبدو أنه كان لها بعض التأثير على التركمان. حتى والأمر كذلك، ونظراً إلى نمو الشعب العراقي بأكمله (والذي يقدر حالياً بـ ۲۳ إلى ۲٥ مليون نسمة)، فإن التركمان يبلغون على الأرجح أكثر من مليون نسمة وربما ۱. ٥ مليون.

يحيا التركمان على الأغلب في منطقة محكمة في شمال العراق. في حين يهيمن الأكراد على الشمال الجبلي والقسم الشرقي من المنطقة. الكثير منها يسيطرون عليها كنطاقات مستقلة يديرها الاتحاد الكردستاني الوطني والحزب الكردستاني الديمقراطي. تسكن الأغلبية الساحقة من التركمان في السفوح والسهول والقسم الجنوبي الذي يحكمه صدام حسين حالياً (بغداد موطن لمجموعة تركمانية كبيرة كذلك). إن موطن التركمان التقليدي حزمة من الأراضي تمتد عبر حوالي ۱٥۰ ميل من تل عفر في الغرب الشمالي عبر الموصل وكركوك إلى طوز في الشرق الجنوبي. في هذه المنطقة يشكل التركمان تجمعات في مدن عديدة، في حين تستمتع تجمعات التركمان الكبيرة في المدن مثل أربيل وكركوك بأكثرية نظراً لحقيقة كونهم مثقفين بطريقة أفضل وأنهم أكثر ثراء من الإثنيات الإسلامية الأخرى.

ـ التنظيم السياسي بين التركمان:

رغم أفضليتهم، إلا أن التركمان حجبوا من قبل الأكراد في العقود الأخيرة: فالتركمان مقسمون غالباً بشكل متعادل بين الإسلام الشيعي والسني، بخلاف الأكراد الأكثر قبلية وإقطاعية، والذين هم سنة بأغلبيتهم.

لم يشهر التركمان السلاح ضد صدام حتى وقت متأخر.

منذ نهاية حرب الخليج، عاشت أغلبية الأكراد في مناطقهم المتمتعة بحكم ذاتي، وقاموا بتطوير ثقافة مميزة ومؤسسات سياسية، في حين ظل التركمان مقموعين تحت النظام في بغداد، والذي قام بإغلاق معظم مؤسساتهم المشابهة.

في أواخر عقد التسعينات، اتخذ التركمان خطوات لإصلاح ضعفهم السياسي. في ۱٩٩٥، انبثقت ۲٦ جماعة تركمانية تحت مظلة منظمة الجبهة العراقية التركمانية (آي. تي. سي)، وذلك لتسهيل تحرك سياسي موحد. بقيت جماعات قليلة خارج هذه المنطقة، يلاحظ من ضمنها الاتحاد التركماني الإسلامي (تي. آي. بي)، والذي يتألف من التركمان الشيعة. لقد عملت (الجبهة العراقية التركمانية) على مقصد مفيد، فحشدت معظم التركمان حول منبر سياسي مشترك للمرة الأولى في التاريخ الحديث.

ازدادت قوة التركمان كذلك بعد الحرب الأهلية بين الاتحاد الكردستاني الوطني والحزب الوطني الديمقراطي. وقد عين وقف لإطلاق النار بوساطة أمريكية ـ تركية، عينت تركية مسؤولة عن الحفاظ على السلام بين الفصائل الكردية. وقد كونت المعاهدة كذلك (قوة مراقبة للسلام) يقع مركزها في أربيل تتألف من غير الأكراد، بالتحديد التركمان والمسيحيين الآشوريين. منذ إنشائها في نيسان/۱٩٩٧، عملت (قوة مراقبة السلام) كمركز تدريب للتركمان، وقد شارك ما يزيد على ۲۰۰۰منهم في القوة، وتلقوا تدريباً عسكرياً نظامياً من الجيش التركي.

ـ رفاه التركمان أثناء الحرب وبعدها:

رغم تكوين تنظيم عسكري وسياسي معزز في السنوات القليلة الماضية، قد يكون التركمان معرضين لتحولات الحرب. أولاً، يحيا كثير منهم في المدن الكبيرة في العراق الشمالي، مثل كركوك، التي لم تستول عليها قوات التحالف بعد. إذا أصبح القتال الشديد ضرورياً لتحرير هذه المدن، فقد يصاب التركمان أثناء تبادل إطلاق النار.

ثانياً، عشرات الآلاف من اللاجئين معظمهم أكراد، ولكنهم يشملون كذلك تركمان وآشوريين تم تشتيتهم عن ديارهم في كركوك ومدن شمالية أخرى أثناء حملات التعريب في عقدي الثمانينات والتسعينات، ومعظمهم متلهفون على العودة إلى ديارهم بعد انتصار التحالف. إذا لم تتم مراقبة ذلك بشكل مناسب، فإن عودة هؤلاء اللاجئين قد ينتج عنها تطهير إثني معكوس. بشكل تفصيلي، كردنة كركوك، والمدن الأخرى قد تعرض التركمان الذين يحيون في هذه المدن إلى الخطر.

ـ الرؤية التركية:

عموماً، يهتم الأتراك بشكل كبير براحة الجماعات التركية في البلاد المجاورة. حتى وقت قريب، لم يهتم الأتراك كثيراً بمشكلة التركمان، رغم إخضاعهم المتواصل لسياسات التعريب البعثية في العقود القليلة الماضية. ويبدو نقص الاهتمام متجذراً في حقيقة أن الأتراك لا يهتمون كثيراً بالسياسات العراقية، بما في ذلك طبيعة نظام صدام، وتصرفاته ضد الأتراك، وجهوده لتصنيع أسلحة دمار شامل. ورغم ذلك، فإن موقف تركية تجاه التركمان يبدو أنه قد تغير مؤخراً، بوجود الإعلام التركي الذي يتتبع حالهم عن كثب. يشك الكثير من الأتراك في انه وبعد الحرب، سيجبر التركمان على العيش تحت حكم الأحزاب الكردية مثل الحزب الكردستاني الديمقراطي والاتحاد الكردستاني الوطني.

رغم أن المظاهرات السياسية الضخمة نادرة في تركيا، إلا أن مشكلة الأتراك في البلدان الأخرى قد تكون القضية التي ستجتذب الجموع إلى الشوارع. على سبيل المثال، أثناء أواخر عقد الثمانينات، عندما بدأ النظام الشيوعي في بلغاريا حملة دمج إجباري بين أتراك البلاد، تظاهر الملايين في تركيا مما أجبر أنقرة على التحرك. في عام ۱٩٨٩، جمع رئيس الوزراء حينها تورغت أوزال الجنود على طول الحدود البلغارية وأقنع صوفيا بشكل ناجح بإيقاف سياسة الدمج. لذلك، فإذا تمت الإساءة إلى التركمان أثناء الحرب الحالية أو تم تجاهلهم بعدها، فقد يشتعل الرأي العام التركي مرة أخرى، وقد يدفع أنقرة إلى التدخل في العراق الشمالي. لتجنب وضع كهذا، يجب أن يجد التحالف طرقاً لدمج التركمان في أي حكومة عراقية جديدة. إن إنشاء حكومة ما بعد الحرب على أساس اعتبار واضح للخطوط الإثنية سيذيب خطر التوترات الإثنية المتفاقمة. لنقل إن العراقيين والذين هم من خارج العراق، سيدققون بشكل حتمي على التكوين الإثني لأي عراق جديد، لذا سيكون مهماً أن يشعر التركمان بأن لديهم حصة عادلة في إدارة العراق.


تاريخ ابن خلدون
الجزء الثالث

ابن خلدون

وفاة شاه أرمن سكمان وولاية مكتمر مولي أبيه
ثم توفي شاه أرمن سكمان بن إبراهيم بن سكمان صاحب خلاط سنة ست وسبعين وكان مكتمر مولى أبيه بميافارقين فأسرع الوصول بمن معه من المماليك واستولى على كرسي بني سكمان‏. وولي على ميافارقين أسد الدين برتقش من موالي شاه أرمن‏. وكان البهلوان بن ايلدكز صاحب أذربيجان وهمذان مر بقائد ملوك السلجوقية وقد زوج ابنته من شاه أرمن طمعاً في ملك خلاط‏. فلما توفي شاه أرمن سار إليها في عساكره فكاتب أهل خلاط صلاح الدين بن أيوب ودافعوا كلاً منهما بالآخر‏. وسار صلاح الدين في مقدمته ابن عمه ناصر الدين محمد بن شيركوه ومظفر الدين بن زين الدين وغيرهما‏. ونزلوا قريباً من خلاط فتردد الرسل من صلاح الدين ومن شمس الدين البهلوان إلى أهل خلاط وهم يدافعون الفريقين‏. وكان قد بلغه وفاة صاحبها قطب الدين وأن برتقش نصب ابنه طفلاً صغيراً واستبد عليه فسار صلاح الدين إليها وحاصرها حتى تسلمها على الأمان وأقام مكتمر أميراً بخلاط وطالت مدته وجرت بينه وبين صلاح الدين فتن وحروب إلى أن توفي صلاح الدين سنة تسع وثمانين‏. فأظهر الشماتة به وتسمى عبد العزيز وتلقب سيف الدين وتوفي إثر ذلك والله تعالى أعلم‏.

وفاة مكتمر وولاية أقسنقر كان مكتمر لأول ولايته
قد اختص أقسنقر من موالي شاه أرمن وتلقب هزار ديناري وزوجه ابنته وجعله أتابكه فأقام على ذلك مدة‏. ثم استوحش من مكتمر وتربص به حتى إذا توفي صلاح الدين تجهز مكتمر من ميافارقين فأمكنته فيه الفرصة فقتله لعشر سنين من ولايته وذلك بعد وفاة صلاح الدين بشهرين واستبد بملك خلاط وأرمينية واعتقل ابن مكتمر وأمه في بعض القلاع والله سبحانه وتعالى أعلم‏.

وفاة أقسنقر وولاية محمد بن مكتمر
ثم هلك أقسنقر صاحب خلاط وأرمينية سنة أربع وتسعين لخمس سنين من ملكة وقام بملك خلاط بعده حجر اشتد قطلغ الأرمني ولم يرضه أهل خلاط فوثبوا به لسبعة أيام من ولايته وقتلوه‏. واستدعوا محمد بن مكتمر من محبسه وملكوه ولقبوه الملك المنصور وقام بدولته شجاع الدين قطلغ القفجاقي دوادار شاه أرمن وأقام تحت استبداده إلى سنة ثلاث وستمائة‏. ثم دبر على الدوادار وقبض عليه وكان حسن السيرة فاستوحش لذلك الجند والعامة‏. وعكف بعد نكبة الدوادار على لذاته فاجتمع أهل خلاط والجند وكبيرهم بلبان مملوك شاه أرمن‏. وكتبوا إلى أرتق بن أبي الغازي بن ألبي صاحب ماردين يستدعونه للملك بما كان ابن أخت شاه أرمن‏. وجاهر بلبان بالعصيان إلى ملازكرد واجتمع الجند عليه‏. و استيلاء بلبان على خلاط وأعمالها ولما ملك بلبان مدينة ملازكرد وأعمالها واجتمع عليه الجند وسار يريد خلاط ووصل أرتق بن أبي الغازي صاحب ماردين لموعدهم ونزل قريباً من خلاط فبعث إليه بلبان أن الجند والرعية اتهموني فيك فارجع وإذا ملكت البلد سلمته إليك فتنح قليلا فبعث إليه يتوعده على مقالته وبطئه‏. فعاد إلى ماردين وكان الأشرف موسى بن العادل بن أيوب صاحب الجزيرة وحران لما سمع بمسير أرتق إلى خلاط طمع فيها لنفسه وخشي أن يزداد بملكها قوة عليهم فخالفه إلى ماردين وأقام بتدليس وجبى ديار بكر حتى استوعبها وعاد إلى حران‏. ثم جمع بلبان العساكر وسار إلى خلاط فحاصرها‏. وبرز ابن مكتمر فيمن عنده فانهزم بلبان وعاد إلى ولايته بملازكرد وأرجيش وغيرها‏. ثم جمع ورجع إلى خلاط فحاصرها وضيق عليها وابن مكتمر عاكف على لذاته‏. فلما جهدهم الحصار ثاروا به وقبضوه ومكنوا بلبان منه‏. ودخل إلى خلاط واستولى عليها وعلى سائر أعمالها وحبس ابن مكتمر في قلعة هناك واستبد بملكها‏. وكان الأوحد نجم الدين أيوب بن العادل بن أيوب قد ولي على ميافارقين من قبل أبيه إلى خلاط سنة أربع وستمائة وقصد مدينة سوس وحاصرها وملك ما يجاورها وعجز بلبان عنه‏. ثم ملك سوس وقصد خلاط فبرز له بلبان وهزمه فعاد إلى ميافارقين وجمع واستمد أباه العادل فأمده بالعساكر ونهض إلى خلاط فبرز له بلبان ثانية وهزمه الأوحد وحاصره في خلاط فبعث بليان إلى طغرل يستنجده فانهزم الأوحد أمامهما‏. وسار بلبان مع طغرل إلى مراش فحاصرها وغدر به طغرل وقتله وسار إلى خلاط فمنعه أهلها فسار إلى ملازكرد فمنعوه كذلك فعاد إلى أرزن‏. وأرسل خلاط بطاعتهم إلى الأوحد نجم الدين فجاء وملك خلاط واستولى على أعمالها‏. وزحف الكرج فأغاروا على خلاط وعاثوا في نواحيها والأوحد مقيم بخلاط لم يفارقها‏. وانتقض عليه جماعة من العسكر بحصن رام وساروا إلى مدينة أرجيش فملكوها واجتمع إليهم المفسدون‏. وبعث نجم الدين إلى أبيه العادل يستنجده فأمده بابنه الآخر شرف الدين موسى فحاصر حسن رام حتى استأمن إليه من كان به من الجند ورجع الأشرف إلى عمله بحران والرها واستقر نجم الدين بخلاط‏. ثم سار إلى ملازكرد ليطالع أمورها ويمهدها فثار أهل خلاط بعسكره فأخرجوهم وحصروا أصحاب نجم الدين بالقلعة ونادوا بشعار شاه أرمن وقومه فرجع الأوحد ولاقاه عسكر الجزيرة وحاصر خلاط‏. ثم اختلف أهلها فدخلها عليهم عنوة واستباحها‏. ونقل جماعة من أعيانها إلى ميافارقين وقتل كثيراً منهم هنالك‏. واستكان أهل خلاط بعدها وانمحى منها حكم المماليك بعد أن كانوا مستحكمين فيها يولون ملوكها ويخلعونهم‏. وانقرضت دولة بني سكمان من خلاط وصارت لبني أيوب والبقاء لله وحده والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين وإليه المرجع‏.

أخبار الإفرنج
فيما ملكوه من سواحل الشام وثغوره وكيف تغلبوا عليه وبداية أمرهم في ذلك ومصائره قد تقدم لنا أول الكتاب الكلام في أنساب هذه الأمة عند ذكر أنساب الأمم وأنهم من ولد يافث بن نوح ثم من ولد ريفات بن كومر بن يافث أخوة الصقالبة والخزر والترك‏. وقال هروشيوش إنهم من عصر ابن غومر‏. وأما مواطنهم من بلاد المعمور فإنهم من شمالي البحر الرومي من خليج رومة إلى ما وراء النهر غرباً وشمالا وكانوا أولاً يدينون لليونان والروم بالطاعة عند استفحال أمرهم‏. فلما انقرضت دولة أولئك استقل هؤلاء الإفرنج بملكهم وافترقوا دولا مثل دولة القوط بالأندلس والجلالقة بعدهم وملك اللمانين بالتفخيم من جزيرة انكلتره بالبحر المحيط الغربي الشمالي ما يحاذيه ويقابله من المعمور ومثل ملوك إفرنجة وهو عندهم اسم إفرنجة بعينه والجيم ينطقون بها سيناً‏. وهم ما وراء خليج رومة غرباً إلى الثنايا المفضية إلى جزيرة الأندلس في الجبل المحيط من شرقيها وتسمى تلك الثنايا البردت‏. وكانت دولة هؤلاء الإفرنج منهم من أعظم دولهم واستفحل أمرهم بعد الروم وصدراً من دولة الإسلام العربية فسموا إلى ملك بلاد المشرق من ناحيتها‏. وتغلبوا على جزر البحر الرومي في آخر المائة الخامسة‏. وكان ملكهم لذلك العهد بردويل فبعث رجالا من ملوكهم إلى صقلية وملكها من يد المسلمين سنة ثمانين وأربعمائة‏. ثم سموا إلى ملك ما وراء النهر من إفريقية وبلاد الشام والاستيلاء على بيت المقدس وطال ترددهم في ذلك‏. ثم استحثهم وحرضهم عليه فيما يقال خلفاء العبيديين بمصر لما استفحل ملك السلجوقية وانتزعوا الشام من أيديهم وحاصروهم في مصر فيقال إن المستنصر منهم دس إلى الإفرنج بالخروج وتسهيل أمرهم عليه ليحولوا بين السلجوقية وبين مرامهم فتجهز الإفرنج لذلك وجعلوا طريقهم في البر على القسطنطينية‏. ومنعهم ملك الروم من العبور عليه من الخليج حتى شرط عليهم أن يسلموا له إنطاكية لكون المسلمين كانوا أخذوها من مماليكهم فقبلوا شرطه وسهل لهم العبور في خليجه فأجازوا سنة تسعين وأربعمائة في العدد والعدة‏. وانتهوا إلى بلاد قليج أرسلان وجمع للقائهم فهزموه وفر ‏"‏ ‏"‏ بلاد ابن اليون الأرمني ووصلوا إنطاكية وبها باغيسيان من أمراء السلجوقية فحاصروه بها وخذلوا صاحب حلب ودمشق على صريخه بأن لا يقصدوا غير إنطاكية فأسلموه حتى ضاق به الحصار وغدر به بعض الحامية فملك الإفرنج البلاد وهرب باغيسيان فقتل وحمل إليهم رأسه‏. وكان ملوكهم الحاضرون لذلك خمسة بردويل وصنجيل وكبريري والقمص واسمند وهو مقدم العساكر فردوا إليه أمر إنطاكية وبلغ الخبر إلى المسلمين فسافروا إليهم شرقاً وغرباً‏. وسار قوام الدولة كربوقا صاحب الموصل وجمع عساكر الشام وسار إلى دمشق فخرج إليهم دقاق بن تتش وطغتكين أتابك وجناح الدولة صاحب حمص وأرسلان ‏"‏ ‏"‏ صاحب سنجر وسكمان أرتق وغيرهم من الأمراء وزحفوا إلى إنطاكية فحاصروها ثلاثة عشر يوماً‏. ووهن الإفرنج واشتد عليهم الحصار لما جاءهم على غير استعداد وطلبوا الخروج على الأمان فلم يسعفوا‏. ثم اضطرب أمر عساكر المسلمين وأساء كربوقا السيرة فيهم وأزمعوا من استكثاره عليهم ‏"‏ ‏"‏ فخرج الإفرنج إليهم واستماتوا فتخاذل المسلمون وانهزموا من غير قتال حتى ظنها الإفرنج مكيدة فتقاعدوا عن أتباعهم واستشهد من المسلمين ألوف والله تعالى أعلم‏.

استيلاء الإفرنج على معرة العمان
ثم على بيت المقدس ولما حصلت للإفرنج هذه النكاية في المسلمين طمعوا في البلاد وساروا إلى معرة النعمان وحاصروها‏. واشتد القتال في أسوارها حتى داخل أهلها الجزع فتحصنوا بالدور وتركوا السور فملكه الإفرنج ودخلوا عليهم فاستباحوها ثلاثاً‏. وأقاموا بها أربعين يوماً ثم ساروا إلى غزة وحاصروها أربعة أشهر وامتنعت عليهم فصالحهم ابن منقذ عليها‏. وساروا إلى حمص وحاصروها فصالحهم عليها جناح الدولة‏. وساروا إلى عكا فامتنعت عليهم‏. وكان بيت المقدس قد ملكه السلجوقية وصار لتاج الدولة تتش وأقطعه لسكمان بن أرتق من التركمان‏. فلما كانت واقعة الإفرنج بإنطاكية طمع أهل مصر فيهم وسار الأفضل بن بدر الجمالي المستولي على العلويين بمصر إلى بيت المقدس وبها سكمان وأبو الغازي ابنا أرتق وابن عمهما سوع وابن أخيهما ياقوتي فحاصروه نيفاً وأربعين يوماً ونصبوا عليه نيفاً وأربعين منجنيقاً وملكوه بالأمان سنة إحدى وتسعين وأربعمائة وأحسن الأفضل إلى سكمان وأبي الغازي وأصحابهما وسرحهم إلى دمشق وعبروا الفرات‏. وأقام سكمان بالرها وسار أبو الغازي إلى العراق واستناب الأفضل عليها افتخار الدولة الذي كان بدمشق فقصده الإفرنج بعد أن حاصروا عكا وامتنعت عليهم فحاصروه أربعين ليلة وافترقوا على جوانب البلد فملكوها من الجانب الشمالي آخر شعبان من السنة‏. واستباحوها وأقاموا فيها أسبوعاً‏. واعتصم بعض المسلمين بمحراب داود وقاتلوا فيه ثلاثاً حتى استأمنوا ولحقوا بعسقلان‏. وأحصى القتلى من الأئمة والعلماء والعباد والزهاد المجاورين بالمسجد فكانوا سبعين ألفاً أو يزيدون وأخذ من المناور المعلقة عند الصخرة أربعون قنديلا من الفضة كل واحد منها ثلاثة آلاف وستمائة وستون درهماً من الفضة زنته أربعون رطلاً بالشامي ومائة وخمسون قنديلا من الصغار وما لا يحصى من غير ذلك‏. وجاء الصريخ إلى بغداد صحبة القاضي أبي سعيد الهروي ووصف في الديوان صورة الواقعة فكثر البكاء والأسف ووسم الخليفة بمسير جماعة من الأعيان والعلماء فيهم القاضي أبو محمد الدامغاني وأبو بكر الشاشي وأبو الوفاء بن عقيل إلى السلطان بركيارق يستصرخونه للإسلام‏. فساروا إلى حلوان وبلغهم اضطراب الدولة السلجوقية وقتل محمد الملك ألب أرسلان المتحكم في الدولة واختلاف السلاطين فعادوا‏. وتمكن الإفرنج من البلاد وولوا على بيت المقدس كندفري من ملوكهم‏. عساكر مصر وحرب الإفرنج.

مسير العساكر من مصر لحرب الإفرنج
ولما بلغ خبر الواقعة إلى مصر جمع الأفضل الجيوش والعساكر واحتشد وسار إلى عسقلان‏. وأرسل إلى الإفرنج بالنكير والتهديد فأعادوا الجواب ورحلوا مسرعين فكبسوه بعسقلان على غير أهبه فهزموه‏. واستلحموا المسلمين ونهبوا سوادهم ودخل الأفضل عسقلان وافترق المنهزمون‏. واستبدوا بنحر الحمير ووصل الأفضل من عسقلان إلى مصر ونازلها الإفرنج حتى إيقاع ابن الدانشمند بالإفرنج كان كمسكين بن الدانشمند من التركمان ويعرف بطابلوا‏. ومعنى الدانشمند المعلم كان أبوه يعلم التركمان وتقلبت به الأحوال حتى ملك سيواس وغيرها‏. وكان صاحب ملطية يعاديه فاستنجد عليه اسمند صاحب إنطاكية فجاءه في خمسة آلاف وسار إليه ابن الدانشمند وأسره‏. ثم جاء الإفرنج إلى قلعة أنكورية فملكوها وقتلوا من بها من المسلمين‏. ثم حاصروا إسماعيل بن الدانشمند فلقيهم كمستكين وهزمهم واستلحمهم وكانوا ثلاثمائة ألف‏. ثم ساروا إلى ملطية فملكوها وأسروا صاحبها‏. وزحف إليه أسمند من إنطاكية في الإفرنج فهم بهم ابن الدانشمند‏. فأتاح الله للمسلمين على يده هذا الظهور في مدد متقاربة حتى خلص اسمند من الأسر‏. وجاء إلى إنطاكية والإفرنج بها وبعث إلى قيس والعواصم وما جاورها يطب الإمارة فامتعض المسلمون لذلك وقلدوه بعد العهد الذي التزمه‏. حصار الإفرنج قلعة جبلة كانت جبلة من أعمال طرابلس وكان الروم قد ملكوها وولوا على المسلمين بها ابن رئيسهم منصور بن صليحة يحكم بينهم‏. فلما صارت للمسلمين رجع أمرها لجمال الملك أبي الحسن علي بن عمار المستبد بطرابلس وبقي منصور بن صليحة على عادته فيها‏. ثم توفي منصور فقام إليه أبو محمد عبد الله مقامه وأظهر الشماتة فارتاب به ابن عمار وأراد القبض عليه فعصى هو في جبلة وأقام بها الخطبة العباسية واستنجد عليه ابن عمار دقاق بن تتش فجاءه ومعه أتابك طغركين فامتنع عليهم ورجعوا‏. ثم جاء الإفرنج فحاصروها فامتنعت عليهم أيضاً وشاع أن بركيارق جاء إلى الشام فرحلوا‏. ثم عادوا وأظهروا أن المصريين جاءوا لانجاده فرحلوا‏. ثم عادوا فتقدم للنصارى الذين عنده أن يداخلوا الإفرنج في نقب البلد من بعض أسواره فجهزوا إليهم ثلاثمائة من أعيانهم فرفعهم بالحبال واحداً بعد واحد وهو قاعد على السور حتى قتلهم أجمعين فرحلوا عنه‏. ثم عادوا إليه فهزمهم وأسر منهم كبرانيطل وفادى نفسه منه بمال عظيم ثم ‏"‏ ‏"‏ ابن صليحة وجهده الحصار فأرسل إلى طغركين صاحب دمشق‏. وبعث ابن عمار في طلبه إلى الملك دقاق على أن يدفعه إليه بنفسه دون ماله ويعطيه ثلاثين ألف دينار فلم يفعل‏. وسار ابن صليحة إلى بغداد فوعده إلى وصول رحله من الأنبار فبعث الوزير من استولى عليها فوجد فيها ما لا يحصى من الملابس والعمائم والمتاع وانتزع ذلك كله‏. ولما ملك تاج الملوك جبلة أساء فيها السيرة فراسلوا فخر الملك أبا علي بن عمار صاحب طرابلس واستدعوه لملكها فبعث إليهم عسكراً وقاتلوا تاج الملك ومن معه فهزموه وأخذوه أسيراً وملكوا جبلة بدعوة ابن عمار وحملوا تاج الملك إلى ابن عمار فأحسن إليه وبعث إلى أبيه بدمشق واعتذر له بأنه خاف على جبلة من الإفرنج‏.

استيلاء الإفرنج على سروج وقيسارية وغيرهما
ثم سار كبريري ملك الإفرنج من بيت المقدس سنة أربع وتسعين لحصارها فأصابه منهما سهم فقتله فسار أخوه بقدوين في خمسمائة فارس إلى القدس‏. ونهض دقاق صاحب دمشق ومعه جناح الدولة صاحب حمص لاعتراضه فهزموا الإفرنج وأثخنوا فيهم ثم كاتب أهل المدينة الإفرنج وكان أكبرهم ودخل في طاعتهم‏. وكان سقمان بن أرتق صاحب سروج جمع جموعه من التركمان وسار إلى الرها فلقيه الإفرنج وهزموه في ربيع سنة أربع وتسعين‏. وساروا إلى سروج فحاصروهم حتى ملكوها عنوة واستباحوها‏. ثم ملكوا حصن كيفا بقرب عكا عنوة وملكوا أرسوف بالأمان‏. ثم ساروا في رجب إلى قيسارية فملكوها عنوة واستباحوها والله تعالى ولي التوفيق بمنه كرمه‏.

حصار الإفرنج طرابلس وغيرها
كان صنجيل من ملوك الإفرنج المذكورين قبل قد لازم حصار طرابلس وزحف إليه قليج أرسلان صاحب بلاد الروم فظفر به‏. وعاد صنجيل مهزوماً فأرسل فخر الدولة بن عمار صاحب طرابلس إلى أمير آخر نائب جناح الدولة بحمص إلى دقاق بن تتش يدعوه إلى معالجته‏. فجاء تاج الدولة بنفسه وجاء العسكر مدداً من عند دقاق واجتمعوا على طرابلس‏. وفرق صنجيل الفل الذين معه على قتالهم فانهزموا كلهم وفتك هو في أهل طرابلس وشد حصارها‏. وأعانه أهل الجبل والنصارى من أهل سوادها‏. ثم صالحوه على مال وخيل‏. ورحل عنهم إلى طرطوس من أعمال طرابلس فحاصرها عنوة واستباحها إلى حصن الطومار ومقدمه ابن العريض فامتنع عليهم وقاتلهم صنجيل فهزموا عسكره وأسروا زعيماً من زعماء الإفرنج بدل صنجيل فيه عشرة آلاف دينار وألف أسير ولم يعاوده‏. وذلك كله سنة خمس وتسعين وأربعمائة‏. ثم سار صنجيل إلى حصن الأكراد وحاصره ‏"‏ ‏"‏ جناح الدولة لغزوه فوثب عليه باطني بالمسجد وقتله‏. ويقال إن رضوان بن تتش وضعه عليه فسار صنجيل إلى حمص وحاصرها وملك أعمالها‏. ثم نزل القمص على عكا في جمادى الأخيرة من السنة فنفر المسلمون من جميع السواحل لقتاله وهزموه وأحرقوا أهله والمنجنيقات التي نصبت للحرب‏. ثم سار القمص صاحب الرها إلى سروج وحاصرها فامتنعت عليه وزحف عساكر مصر إلى عسقلان للمدافعة عن سواحلهم فزحف إليهم بردويل صاحب القدس فهزمه المسلمون ونجا إلى الرملة وهم في اتباعه فحاصروه وخلص إلى يافا وفشل القتل والأسر في الإفرنج والله تعالى ولي حصار الإفرنج عسقلان وحروبهم مع عساكر مصر لما طمع الإفرنج في عسقلان واستفحل أمرهم بالشام جهز الأفضل أمير الجيوش عساكره من مصر لحربهم سنة ست وتسعين مع سعد الدولة القواسي مولى أبيه‏. وزحف بقدوين ملك الإفرنج من القدس فلقيهم بين الرملة ويافا وهزمهم‏. ومات سعد مترقباً عن فرسه واستولى الإفرنج على سواده‏. وبعث الأفضل بعده ابنه شرف المعالي فلقيهم قي العساكر على بازور قرب الرملة فهزمهم ونال منهم ونجا كثير من أعيانهم إلى بعض الحصون هنالك فحاصرهم شرف المعالي خمس عشرة ليلة وملك الحصن فقتل وأسر‏. ونجا بقدوين إلى يافا ثم إلى القدس فصادف وصول جمع كثير من الإفرنج لزيادة القدس فندبهم للغزو فساروا إلى عسقلان وبها شرف المعالي فامتنعت ورجعوا‏. وبعث شرف المعالي إلى أبيه فبعث العساكر في البر مع تاج العجم مولى أبيه والأسطول في البحر لحصار يافا مع القاضي ابن دقاوس‏. فلما وصل الأسطول إلى يافا بعث عن تاج العجم ليأتيه بالعساكر فامتنع فأرسل الأفضل من قبض عليه وولى على العساكر وعلى عسقلان جمال الملك من مواليهم فانصرفت السنة وبيد الإفرنج بيت المقدس غير عسقلان ولهم أيضاً من الشام يافا وارسوف وقيسارية وحيفا وطبرية والأردن واللاذقية وإنطاكية ولهم بالجزيرة الرها وسروج وصنجيل محاصر فخر الملك بن عمار بمدينة طرابلس وهو يرسل إسطوله للإغارة على بلاد الإفرنج في كل ناحية‏. ثم دخلت سنة سبع وتسعين فخرج الإفرنج الذين بالرها فأغاروا على الرقة وقلعة جعبر واكتسحوا نواحيها‏. وكانت لسالم بن مالك بن بدران بن المقلد منذ ملكه السلطان ملك شاه إياها سنة تسع وسبعين كما مر والله أعلم‏.

استيلاء الإفرنج على جبيل وعكا
وفي سنة سبع وتسعين وصلت مراكب من بلاد الإفرنج تحمل خلقاً كثيراً من التجار والحجاج فاستعان بهم صنجيل على حصار طرابلس فحاصروها حتى يئسوا منها فارتحلوا إلى جبيل وملكوها بالأمان‏. ثم غدروا بأهلها وأفحشوا في استباحتها‏. ثم استنجدهم بقدوين ملك القدس على حصار عكا فحاصروها براً وبحراً وفيها بهاء الدولة الجيوشي من قبل ملك الجيوش الأفضل صاحب مصر فدافعهم حتى عجزوا وهرب عنها إلى دمشق وملك الإفرنج عكا عنوة وأفحشوا في استباحتها والله تعالى أعلم‏.

غزو أمراء السلجوقية بالجزيرة الإفرنج
كان المسلمون أيام تغلب الإفرنج على الشام في فتنة واختلاف تمكن فيها الإفرنج واستطالوا وكانت حران وحمص لمولى من موالي ملك شاه اسمه فواجا والموصل لجكرمش ‏"‏ ‏"‏ وحصن كيفا لسقمان بن أرتق وعصى في حران على قراجا بأمته فيها فاغتاله جاولي مولى من موالي الترك وقتله فطمع الإفرنج في حران وحاصروها‏. وكان بين جكرمش وسقمان فتنة وحرب فوضعوا أوزارها لتلافي حران واجتمعا على الخابور وتحالفا ومع سقمان سبعة آلاف من قومه التركمان ومع جكرمش ثلاثة آلاف من قومه الترك ومن العرب والأكراد‏. وسار إليهم الإفرنج من حران فاقتتلوا واستطردهم المسلمون بعيداً ثم كروا عليهم فأثخنوا فيهم واستباحوا أموالهم‏. وكان اسمند صاحب إنطاكية وشكري ‏"‏ ‏"‏ صاحب الساحل قد أكمنوا للمسلمين وراء الجبل فلم يظهر لهم أنهم أصحابهم وأقاموا هنالك إلى الليل‏. ثم هربوا وشعر بهم المسلمون فاتبعوهم وأثخنوا فيهم‏. وأسر في تلك الواقعة القمص بردويل صاحب الرها أسره بعض التركمان من أصحاب سقمان فشق ذلك على أصحاب جكرمش لكثرة ما امتاز به التركمان من الغنائم وحسنوا له أخذ القمص من ‏"‏ ‏"‏ سقمان فأخذه وأراد التركمان محاربة جكرمش وأصحابه عليه فمنعهم سقمان حذراً من اختلاف المسلمين وسار مفارقاً لهم‏. وكان يمر بحصون الإفرنج فيخرجون إليه ظناً بنصر أصحابهم فملكها عليهم‏. وسار جكرمش إلى حران فملكها وولى عليها من قبله‏. ثم سار إلى الرها وحاصرها أياماً وعاد إلى الموصل وفادى القمص بردويل حرب الإفرنج مع رضوان بن تتش صاحب حلب ثم سار سكري صاحب إنطاكية من الإفرنج سنة ثمان وتسعين إلى حصن أريام من حصون رضوان صاحب حلب فضاقت حالهم واستنجدوا برضوان فسار إليهم وخرج الإفرنج للقائه‏. ثم طلب الصلح من رضوان فمنعه أصبهبد وصباوو من أمراء السلجوقية كان نزع إليه بعد قتل صاحبه أياز ولقيهم الإفرنج فانهزموا أولاً ثم استماتوا وكروا على المسلمين فهزموهم وأفحشوا في قتلهم وقتل الرجالة الذين دخلوا عسكرهم في الحملة الأولى‏. ونجا رضوان وأصحابه إلى حلب ولحق صباوو بطغركين أتابك دمشق ورجع الإفرنج إلى حصار الحصن فهرب أهله إلى حلب وملكه الإفرنج والله تعالى ولي التوفيق‏. حرب الإفرنج مع عساكر مصر كان الأفضل صاحب مصر قد بعث سنة ثمان وتسعين ابنه شرف المعالي في العساكر إلى الرملة فملكها وقهر الإفرنج‏. ثم اختلف العسكر في ادعاء الظفر وكادوا يقتتلون وأغار عليهم الإفرنج فعاد شرف المعالي إلى مصر فبعث الأفضل ابنه الآخر سناء الملك حسيناً مكانه في العساكر وخرج معه جمال الدين صاحب عسقلان واستمدوا طغركين أتابك دمشق فجهز إليهم اصبهبد صباوو من أمراء السلجوقية‏. وقصدهم بغدوين صاحب القدس وعكا فاقتتلوا وكثرت بينهم القتلى واستشهد جمال الملك نائب عسقلان وتحاجزوا وعاد كل إلى بلده‏. وكان مع الإفرنج جماعة من المسلمين منهم بكياش بن تتش ذهب مغاضباً عن دمشق لما عدل عنه طغركين الأتابك بالملك إلى ابن أخيه دقاق وأقام عند الإفرنج والله سبحانه وتعالى ولي التوفيق بمنه‏.

حرب الإفرنج مع طغركين
كان قمص من قمامصة الإفرنج بالقرب من دمشق وكان كثيراً ما يغير عليها ويحارب عساكرها فسار إليه طغركين في العساكر وجاء بغدوين ملك القدس لإنجاده على المسلمين فرده ذلك القمص ثقة بكفاءته فرجع إلى عكا وسار طغركين إلى الإفرنج فقاتلهم وحجزهم في حصنهم‏. ثم خرب الحصن وألقى حجارته في الوادي وأسر الحامية الذين به وقتل من سواهم من أهله وعاد إلى دمشق ظاهراً‏. ثم سار بعد أسبوع إلى ‏"‏ ‏"‏ وبه ابن أخت صنجيل فملكه وقتل حاميته‏.

استيلاء الإفرنج على حصن أفامية
كان خلف بن ملاعب الكلابي متغلباً على حمص وملكها منه تتش كما مر وانتقلت الأحوال إلى مصر‏. ثم إن رضوان صاحب حلب انتقض عليه واليه بحصن أفامية وكان من الرافضة فبعث بطاعته إلى صاحب مصر واستدعى منهم والياً فبعثوا خلف بن ملاعب لإيثاره الجهاد وأخذوا رهنه فعبى ‏"‏ ‏"‏ في أفامية واستبد بها واجتمع عليه المفسدون‏. ثم ملك ‏"‏ ‏"‏ من أعمال حلب وأهله رافضة ولحق قاضيها بابن ملاعب في أفامية‏. ثم أعمل التدبير عليه وبعث إلى أبي طاهر الصائغ من أصحاب رضوان وأعيان الرافضة ودعاتهم وداخله في الفتك بابن ملاعب وتسليم الحصن إلى رضوان‏. وشعر بذلك ابنا ابن ملاعب وحذرا أباهما من تدبير القاضي عليه‏. وجاء القاضي فحلف له على كذبه وصدقه وعاد القاضي إلى مداخلة أبي طاهر ورضوان في ذلك التدبير وبعثوا جماعة من أهل سرمين بخيول وسلاح يقصدون الخدمة عند ابن ملاعب فأنزلهم بربض أفامية حتى تم التدبير وأصعدهم القاضي وأصحابه ليلا إلى القلعة فملكوها وقتلوا ابن ملاعب‏. وهرب ابناه فلحق أحدهما بأبي الحسن بن منقذ صاحب شيزر وقتل الأخر‏. وجاء أبو طاهر الصائغ إلى القاضي يعتقد أن الحصن له فلم يمكنه القاضي وأقام عنده‏. وكان بعض بني خلف بن ملاعب عند طغركين بدمشق مغاضباً لأبيه فولاه حصناً من حصونه فأظهر الفساد والعيث فطلبه طغركين فهرب إلى الإفرنج واستحثهم لملك أفامية فحاصروه حتى جهد أهله الجوع وقتلوا القاضي المتغلب فيه والصائغ وذلك سنة تسع وتسعين وخمسمائة‏. خبر الإفرنج في حصار طرابلس كان صنجيل من ملوك الإفرنج ملازماً لحصار طرابلس وملك جبلة من يد ابن أبي صليحة وبنى على طرابلس حصناً وأقام عليها‏. ثم هلك وحمل إلى القدس ودفن‏. وأمر ملك الروم أهل اللاذقية أن يحملوا الميرة إلى الإفرنج المحاصرين طرابلس فحملوها في السفن‏. وظفر أصحاب ابن عمار ببعضها فقتلوا وأسروا واستمر الحصن خمس سنين فعدمت الأقوات‏. واستنفد أهل الثروة مكسوبهم في الإنفاق وضاقت أحوالهم وجاءتهم سنة خمسمائة ميرة في البحر من جزيرة قبرص وإنطاكية وجزائر البنادقة فحفظت أرماقهم‏. ثم بلغ ابن عمار انتظام الأمر للسلطان محمد بن ملك شاه بعد أخيه بركيارق فارتحل إليه صريخاً واستخلف على طرابلس ابن عمه ذا المناقب في طرابلس‏. وخيم ابن عمار على دمشق وأكرمه طغركين‏. ثم سار إلى بغداد فأكرمه السلطان محمد وأمر بتبليغه والإحتفال لقدومه ووعده بالانجاد‏. ولم رحل عن بغداد أحضره عنده بالنهروان وأمر الأمير حسين بن أتابك قطلغتكين بالمسير معه وأن يستصحب العساكر التي بعثها مع الأمير مودود إلى الموصل لقتال جاولي سكاوو وأمره بإصلاح جاولي والمسير مع ابن عمار حسبما مر في أخبارهم‏. ثم وقعت الحرب بين السلطان محمد وبين صدقة بن مزيد واصطلحوا وودعه ابن عمار بعد أن خلع عليه وسار معه الأمير حسين فلم يصل إلى قصده من عساكر الموصل ‏"‏ ‏"‏ مودود والانتقاض فعاد فخر الدين بن عمار إلى دمشق في محرم سنة اثنتين وخمسمائة وسار منها إلى‏. ‏. ‏. فملكها‏. وبعث أهل طرابلس إلى الأفضل أمير الجيوش بمصر يستمدونه ويسألون الوالي عليهم فبعث إليهم شرف الدولة ابن أبي الطيب بالمدد والأقوات والسلاح وعدة الحصار واستولى على ذخائر ابن عمار وقبض على جماعة من أهله وحمل الجميع في البحر إلى مصر‏.