كان الفرعون القزم المدلل وحفيد الصهيون الأكبر يطرق أبواب شقيقه الفرعون العملاق بجنون هستيري محموم، وما أن تلقاه شقيقه العملاق ذاك حتى انفجر القزم صارخا: ( هذا مستحيل. . لا يمكن احتمال هذا على الإطلاق. . إنهم يزعجونني. . يريدون موتي. . يخططون لاغتيالي والاستيلاء على بيتي. . يجب أن تنقذني منهم جميعا. . لا بد لك من حمايتي سريعا سريعا سريعا!! ). .
إذ ذاك أخرج الفرعون العملاق حفنة من أوراق خضراء ذات رائحة مميزة ليجفف بها دموع شقيقه القزم الكاذبة ويهدئ من روعه. . ووعده أن يأخذ بيده منذ الغد ليؤدبهم جميعا. . بل ويسرق بيوتهم كي يهبها له عن طيب خاطر كما ساعده في سرقة البيت الذي يسكنه اليوم!!. .
دلوع هو الفرعون القزم ومتطلب على الدوام. . لكن شقيقه العملاق مجبر على تحقيق جميع ما ينبثق من نزوات ذهنه المهزوز، فالعملاق لم ينس حتى اليوم تلك الكارثة التي كادت تحيق بمستقبله في مطلع شبابه حين حاول القزم جلب أمتعته وأولاده دونما موعد مسبق بغرض السكن في بيت العملاق إلى أجل غير مسمى بحجة أن لا بيت له!!. .
كان لابد للعملاق من التخلص من خطر تهديد القزم لمستقبل بيته (الذي سرقه جده الأكبر هو الآخر ذات يوم)، وفي الوقت ذلك يحظى بفرصة لتوسيع مساحة بيته وتزويده بمعين لا ينضب من خيرات البيوت الثرية مستقبلا بطريقة ما!!، لا سيما و أن لعاب جشع خزنته وصناديق المؤن في بيته يسيل هو الآخر كلما تذكر ما تغص به مخازن الآخرين وخوابيهم من خيرات!!. .
والحق أن الفرعون العملاق قد أدى واجبه الفرعوني المعاصر مع شقيقه القزم بحذافير ما هو مثبت على صفحات دستور مصاصي دماء البشرية،
وتكبد من عناء معاونة شقيقه القزم بسرقة البيت الذي كان يبصر فيه فردوسا يداعب أحلامه- منذ أن وعده أحد أجداده بأن ذاك البيت سيغدو منبع أنهار العسل واللبن التي تروي غير قليل من غلة جشعه- وطرد أهله الحقيقيين من حجراته مشاقا لا حد لها وخسائر لا زال كل منهما يسدد فواتيرها منذ ما ينيف على نصف قرن بسنوات حتى الساعة. .
ورغم أن ذاك الفرعون القزم لازال يتسلل إلى بيوت جيران البيت المسروق متجسسا ومعتديا على حرمات أسرارها، ولا يكف عن إطلاق الإشاعات المغرضة الخبيثة عنهم على الدوام فضلا عن قضم حجرات من بيوتهم لتوسيع البيت الذي سرقه شيئا فشيئا، إلا أن كوابيسه غدت تتقمص أرواح جرائمه تلك لتصور له بأن أولئك الجيران يخططون على الدوام لتدمير امبراطورية فساده اللقيطة. . وكعادته على الدوام كلما رأي كابوسا مزعجا هرع إلى شقيقه الفرعون العملاق لحمايته بتجسيد كوابيسه لتستحيل واقعا يمضغ الأبرياء من أبناء الجوار. .
وفي الجوار. . كان وما زال ثمة دار عريق يشمخ بماضي ذكرياته بين ضفتي نهرين كانا هبة السماء للأرض منذ فجر أيامها. . ابتلته الأيام بأخطبوط أناني مخبول للحفاظ عليه فصار عليه وبالا اكتسح أيامه على مدى عقود وصيرها مسكبة ضيم متصل يغرق الدار ومن فيه وما فيه، ولأن ذاك الأخطبوط كان ربيبا للفرعون العملاق ذات يوم، فقد كان من اليسير على ذاك الفرعون إدراك نقاط ضعفه لأجل الزج به في مكب نفايات التاريخ والاستيلاء على الدار بما فيه ومن فيه. .
وقصد الفرعونان سيدهما العراف ( إبليس الأكبر) - الذي طالما خدماه وخدم جشعهما بما كان يسوله ويوسوس به في أذهانهما من مخططات شيطانية جبارة – كي يبصر في فنجان الفرعون القزم وحفيد الصهيون الأكبر ويقرأ له بخته بشأن مستقبل جشعه في تلك الدار. . فما كان من إبليس العراف إلا أن ملأ لقاصده الفرعون القزم فنجانا من الدم الذي ابتلعه في رشفة واحدة، ونظر إبليس بعينه الوحيدة في الفنجان لحظة قبل أن يبدو سواد أسنانه بابتسامته الخبيثة الشوهاء، ثم هتف بفحيح صوته طربا:
(كركوك أولا. . والبقية تأتي!!). .
وصفق الفرعونان فهرع العملاء. . وبحفنة من الأوهام المستقبلية المستحيلة كانت رشوتهم ليطلقوا أسراب الجراد الشرسة المدربة على( كركوك) الحبلى بكنوز الذهب الأسود وسكانها. .
ولازالت أسراب الجراد تمضغ أوراق هوية (كركوك) الرسمية لتزييف ماضيها وتزوير مستقبلها، وتنقض على حياة أبنائها وممتلكاتهم بوحشية لا حد لها. .
ولأن (كركوك) هي حياة التركمان. . موطن تاريخهم. . ذكرياتهم. . أيامهم. . أحلام طفولتهم والمستقبل الحبيب الذي يدخرونه لأطفالهم كما ادخره لهم الآباء والأجداد، فقد كان حقد الجراد الوحشي المدرب على وجودهم في (كركوك) من ملوك الأحقاد. . فانقض على حياتهم وممتلكاتهم وحرياتهم ليمضغها ويحرق أخضرها ويابسها دونما ذنب للتركمان أو جريرة غير أن (كركوك) التي يعشقون هي فلذة من كيانهم يستحيل على أرواحهم أن تتخلى عنها مهما كان الثمن عسيرا. . إجرام الجراد الوحشي يتفاقم وهم صامدون. . وذاك ما يثير غيظ الفرعون القزم الذي رغم تسخيره عظيم جهوده بواسطة عملائه وجرادهم الوحشي لأجل إصابة الوسط التركماني الصامد بالدمار المعنوي الشامل إلا أن ذاك الصمود – ويالدهشته - يزداد رسوخا كلما توالت عليه أقسى الطعنات والضربات التي صار الصبر الأبي في نفوس أفراده من التركمان لفرط ما نالهم على مر السنين لقاحا ضد مضاعفاتها!!.
ألا ليت حفيد الصهيون الأكبر بعملائه وجرادهما يدركون أن لا نصيب لهم من (كركوك). . فقد سبقهم بمحاولات انتزاعها من عشاقها التركمان نظام حكم أخطبوط الأنانية المعقد وبذل وسعه في سبيل ذلك بجميع أذرعه الحديدية ذات الأطراف المدببة دونما جدوى. . ولو كان بوسعهم فعل ذلك بجرائمهم. . لكان نظام لأخطبوط على وحشية ما فعله بذلك زعيم. .