الدراسة باللغة التركمانية حق من حقوقنا القومية والوطنية
سعدون كوبرولو
تعد اللغة التركمانية من أهم العناصر التي تشكل تأريخنا الوطني مع ثقافتنا القومية وتمثل قلب هذه الثقافة التركمانية. فكل قومية عندما تفكر بالتعبير عن احاسيسها الداخلية فإنها تستخدم اللغة وسيلة للتفاهم بين أفرادها. وباللغة تنشأ الشعوب والقوميات. والشعب التركماني له باع طويل بفضل لغته في العلوم والفلسفة والتأريخ. واللغة هي هوية الشعوب، ونحن كشعب تركماني يجب علينا المحافظة على لغتنا التركمانية لأنه مطلب وجداني قبل كل شئ.
إن شعبنا التركماني إهتم كثيرا بالعلم والتعلم، وبلغته القومية. وقد كون عددا من الحضارات العظيمة أفادت المجمتع العراقي في مختلف الميادين. وإن صفحات تأريخنا المبارك شاهدت على مدى حرص وإهتمام شعبنا التركماني بالعلم والثقافة وسعيه الى تطوير معلوماته وإغنائها عن طريق التغيير والتفكير. ولو نظرنا الى المتاحف والآثار القديمة للاحظنا الكتابات والعلوم الدالة على تطور شعبنا التركماني. وصفحات التأريخ شاهدة على مدى حرص التركمان على التعلم، رغم ظلم وإجحاف الحكومات العراقية المتعاقبة التي أنكرت على شعبنا حق التعلم بلغة الأم. إن الحقوق الثقافية وحق التعلم بلغتنا القومية حق مشروع والإهتمام بلغة الأم من صميم نضالنا القومي.
إن هدف أنظمة الحكم الدكتاتورية كان إفساد العقل الإجتماعي وآفاق تطوره الذي يواكب التطور الحضاري العالمي. ةقد إستغلت عملية التربية والتعليم للإساءة الى الشعوب المغلوبة على أمرها.
والشعب التركماني الذي يعتبر من قبل بعض الجهات أقلية في وطنه العراق، دأب على تعليم أبنائه لغة الأم فضلا عن تعليم عاداتهم والتقاليد التركمانية. وقد تعرض شعبنا التركماني لممارسات ظالمة تمثلت في إغلاق مدارسنا التي كانت تعلم فيها باللغة التركمانية في الثلاثينات من القرن الماضي. ورغم إقرار الحكومة آنذاك بحق التركمان في ممارسة نشاطات ثقافية وتربوية بلغتهم ضمن الوثيقة المقدمة الى عصبة الأمم لغرض حصول العراق على عضويتها في ٣٠/ ٥/ ١٩٣٢ إلا أن الأنظمة التي حكمت العراق تجاهلت حقوق التركمان بشكل خاص دون الشعوب العراقية الأخرى.
وإن مسألة عدم السماح بتدريس أبناء الشعب التركماني بلغته وعرقلة العملية التربوية بلغة الأم مسألة مدروسة لأسباب شوفينية القصد منها تصفية الوجود التركماني وصهره في بودقة القومية السائدة لأسباب سياسية. وبعدها أقرت الحكومة العراقية بالحقوق القومية والثقافية للشعب التركماني ضمن القرار الصادر في ٢٤/ ١/ ١٩٧٤ الرقم ٨٩ وعلى ضوءه تأسست العديد من المدراس في مدينة كركوك التركمانية وغيرها من المناطق التركمانية غير أن عمر المدارس لم يدم أكثر من سنة. حيث إن الإقبال الشديد من قبل التركمان على تسجيل أبنائهم في تلك المدارس لرغبتهم الجادة وحبا للغتهم جعل النظام يتراجع عن القرار وبدأ بالضغط على المدارس التركمانية مما أدى الى غلقها وتغيير أسمائها بأسماء أخرى.
إن عدم قبول الدراسة التركمانية وغلق المدارس لا يزال ضمن السياسات الشوفينية للأنظمة الحاقدة في العراق. وغن إعتقادنا الجازم بأن الشعب التركماني سوف يبقى يناضل من أجل الحفاظ على هويته القومية المتمثلة في اللغة رغم الإدعاءات الكاذبة التي يطلقها أعداء قوميتنا.
إن من السمات الديمقراطية الإقرار بالحقوق القومية للتركمان ولمماسرة حقه في تعليم أبنائه بلغتهم وإلا ماذا؟ ألا وليعرف جيدا جميع القوميات والطوائف والمذاهب بأن الوطن العراق يتسع للجميع ولا فرق بينهم وقد عاش الشعب التركماني في بلدهم العراق منذ آلاف السنين شركاءا في العراق بدون تمييز الجنس أو العرق أو الدين أو القومية. إلا أنه تم التآمر على الشعب التركماني بزرع بذور التفرقة والشقاق بين أبنائه على غرار مبدأ (فرق تسد)، حيث تعرض شعبنا الى التصفية العرقية أكثر من مرة وإن إنتفاضة تلعفر وأحداث كاوور باغي ومجزرة كركوك العام ١٩٥٩ ومجزرة آلتون كوبرو العام ١٩٩١ وغيرها شواهد تأريخية على هذا التآمر. ولا يزال شعبنا التركماني يعاني من الظلم والتعسف ويحرم حقوقه القومية، وأصبح الإضطهاد والتصفية ممارسة يومية. فضلا عن إخفاء نسبة التركمان او حقيقة نفوسه في جميع الإحاصاءات التي جرت في العراق. هذا وما زال إرادة البقاء لدى التركمان صلبة وصامدة مما ساعدته على البقاء على عزمه.
لقد أولى الشعب التركماني إهتماما خاصا بالتربية والتعليم في سبيل إعداد جيل متحضر ومتمدن. ولما كان لنا التركمان الحق في تعليم أبنائنا بلغتنا وتربيتهم على عاداتنا وتقاليدنا وتأريخنا، قمنا بتأسيس مدرستين تركمانيتين في المنطقة الآمنة هما مدرسة دوغوش في أربيل ومدرسة قرة أوغلان في قضاء كفري. وكانت ثمرة جهود الحزب الوطني التركماني العراقي. وبدورها أولت الجبهة التركمانية العراقية إهتماما خاصا بالدراسة التركمانية ووفرت لها جميع شروط النجاح المادية والمعنوية واخذت على عاتقها إعمار أبنية المدارس وإنشاء اخرى جديدة الى جانب دعم الهيئات التعليمية ماديا ومعنويا وفتحت دورات تدريبية في مدينة أربيل وليس إنتهاءا بترجمة المناهج الدراسية المتبعة في المدراس الحكومية العراقية الى اللغة التركية وطبعها ووضعها بين يدي الطلاب. مضيفا الى مواد التأريخ والجغرافية تلك المواضيع التأريخية والجغرافية المتعلقة بالتركمان ومناطق تواجدهم في العالم وخصوصا في العراق.
فللتركمان موقع واضح في جغرافية العراق عموما يبدأ من تلعفر شمالا مرورا بأربيل وآلتون كوبري وكركوك وكفري وخانقين وليس إنتاهءا في مندلي حيث يوجد التركمان في مناطق متفرقة أخرى من العراق كبغداد وواسط جنوبي العراق. ولقد بذلت الجبهة التركمانية العراقية ولا تزال كل ما في وسعها لدعم الدراسة التركمانية وإزالة العقبات والعراقيل عن طريقها ورغم تلك المشاكل والعقبات أثبتت الدراسة التركمانية تفوقها بفضل دعم الجبهة المداي والمعنوي وبفضل تفاني وإخلاص العاملين في الحقل التربوي التركماني من كوادر الإشراف والإدارة والهيئلت التدريسية الى جانب وقوف العوائل التركمانية الى جانب هذه المسيرة. والأهم من كل هذا اثبتت الجبهة التركمانية العراقية نجاح التجربة التركمانية الراشدة في أن الدراسة بلغة الأم هي خير وسيلة للنجاح في درب النضال. وإن الشعب التركماني شعب حضاري ينتشر في صفوفه من يجيد القراءة والكتابة بكثافة عالية.
إن النجاحات التي حققتها كوادرنا وطلبتنا في المدراس التركمانية تثبت عزمهم على التعلم بلغة الأم. لأن التعليم بلغة الأم حق مشروع لشعبنا التركماني بعد أن حرم منه بسبب سياسة الجلاد صدام. وبعد التحرر من القيود والإرهاب والظلم علينا جميعا أن نساهم في إنجاح ودعم التعلم باللغة التركمانية في كافة أرجاء العراقوضرورة مضاعفة الجهود وإستثمار الأوقات وإختزال الزمن من أجل الوصول الى آمالنا التربوية المنشودة.