بدات تتكشف حكايات واسرار عن مشروع الفوضى الامريكي الذي زرعه السفير بول برايمر في العراق، وتركه يستفحل ويكبر ويزداد خطورة في هذه المرحلة الحرجة، وكأن الحاكم الامريكي السابق لم يرد ان يغادر موقعه في بغداد ويعود الى بلاده دون ان يترك في العراق آثاره التخريبية وبصماته العدوانية.
ومن هذه الحكايات ان مدير المخابرات اللواء محمد عبدالله الشهواني الذي عينته سلطة الاحتلال الامريكي ذاتها في نيسان (ابريل) الماضي، اقترح في مذكرة رسمية الى برايمر باصدار قرار يغلق حدود العراق مع دول الجوار ومنع السفر اليه لفترة شهر، وسجن كل من يتسلل او يتوجه الى العراق في هذا الشهر، والقيام بحملة تفتيش في بغداد والمحافظات، في الفنادق والمزارات، عن الاغراب والاجانب واحتجازهم، غير ان المستر برايمر رفض الاقتراح جملة وتفصيلاً، بل انه استدعى الشهواني وحذره من الحديث في مثل هذه الموضوعات قائلاً له: يبدو انك لا تفهم في استراتيجيتنا ايها الجنرال.. نحن نريد ان تبقى الحدود العراقية مفتوحة ومشرعة لتغري (الارهابيين) وتشجعهم على القدوم الى هنا، حتى نتمكن من اصطيادهم، وبذلك نكون قد منعنا ذهابهم الى امريكا واوربا ومناطق اخرى، وحرمانهم في القيام بعمليات فيها.
وسكت الجنرال محمد عبدالله على مضض، ومن المؤكد انه لعن حظه العاثر الذي اوقعه في الشرك الامريكي، وهو النجم الرياضي البارز الذي حصد عشرات الاوسمه العراقية والعربية في العاب الساحة والميدان، طيلة الخمسينات ولغاية منتصف الستينات، قبل ان يصبح مرافقا ومستشارا لوزير الدفاع الاسبق عدنان خير الله حتى مصرعه المأساوي في آيار (مايو) ١۹٨۹، وقد أخاف هذا الحادث مستشار الوزير المقتول واضطر الى مغادرة العراق والاستقرار في العاصمة الاردنيه واشتغاله بالمعارضة ضد نظام صدام وكانت النتيجة انه خسر اثنين من اولاده اعدما في بغداد في صيف العام ١۹۹٦ انتقاماً منه.
ورغم ان الاجهزة الامريكية هي التي اختارت محمد عبدالله لهذا المنصب، الا ان هذا التعيين يبدو مجرد وظيفة شكلية، فمحظور عليه تعيين احد في دائرته الا بتزكية امريكية، وممنوع عليه الاستعانة بضباط أمن ومخابرات محترفين سابقين، وغير مسموح له توسيع نشاطه الى المحافظات الكردية التي اصبحت معبراً للمتسللين الايرانيين الذين يتلقون الدعم والمساندة من الاحزاب الكردية للقيام باعمال التخريب في بغداد والمحافظات العربية.
وفي حادثة اخرى اقترح مدير الشرطه العام السابق اللواء طالب الحمداني الذي عين بمنصبه في نهاية العام الماضي بتوصية من الدكتور اياد علاوي عندما كان يتولى رئاسه اللجنة الامنية في مجلس الحكم الانتقالي الملغى، ان يتم حصر المجرمين وقادة عصابات التسليب والسطو بالعودة الى سجلات مديرية السجون العامة وخصوصاً اولئك الذين اطلق النظام السابق سراحهم في تشرين الاول (اكتوبر) ٢٠٠٢، بعد ان تاكد ان عدداً منهم عاد الى مزاولة فعالياته الاجرامية مستغلاً حالة الفوضى والفلتان الامني وغياب القانون، وبدلاً من الاخذ بهذا الاقتراح وتجريبه على الاقل، اعترض برايمر عليه طالباً من ضابط امريكي يعمل مستشارا في دائرة الشرطة ان يبلغ اللواء الحمداني الكف عن تقديم الاقتراحات والتزام الصمت، ولم يكتف برايمر بذلك بل شاكسه بطريقه استفزازية عندما طلب منه ان يلزم دائرته ويداوم فيها ساعات الدوام المقرره دون شغل او صلاحية،، فما كان من اللواء الحمداني الا ان يعتزل منصبه، ويعود الى بيته.
وللمعلومات فان طالب الحمداني، ضابط شرطه قديم عرف بادائه المميز ونزاهته عندما عمل مديراً لشرطة العاصمه بغداد في منتصف السبعينات، غير ان النظام السابق وفي واحدة من حماقاته الكثيرة، عزل هذا الضابط واضطهده لا لسبب معين او تهمة محددة، فالرجل معروف بكفاءته ونظافته، ولكن لكونه ابن عم نائب رئيس الوزراء وعضو مجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية للحزب، المرحوم عدنان الحمداني الذي اعدم مع اكثر من عشرين قيادياً وكادراً بعثياً في تموز (يوليو) ١۹٧۹ في مجزرة اطلق عليها تسمية المؤامرة القطرية.
ولان المستر برايمر ترك وراءه تعليمات وقرارات تلتزم بها القوات الامريكية المحتلة على صعيد ابقاء الاوضاع الامنية في حالة انفلاتية وسائبة، فقد داهمت قوة أمريكية من استخبارات البنتاغون مركز شرطة السعدون في وسط بغداد، بهدف اطلاق سراح أكثر من ١٥۰ موقوفا كانت اجهزة الشرطة العراقية الجديدة اعتقلتهم في الاسبوع الماضي، ضمن حملتها لملاحقة المجرمين والاشقيائية الذين تمترسوا في حي البتاويين الذي تقطنه عوائل وأسر مسيحية فقيرة ، وكانت حجة مجموعة البنتاغون ان احتجاز المشتبه بهم ليس قانونياً ويخالف الاعراف الديمقراطية، رغم ان الموقوفين مثبت عليهم انهم من أصحاب السوابق ضبطوا وهم يتاجرون ببيع الحشيش والمخدرات ويقومون بالسمسرة واللصوصية والسلب وخطف اطفال رجال الاعمال والصناعة والاثرياء، ودار سجال حاد بين افراد الشرطة العراقية والامريكان كاد ان يتطور الى معركة بالسلاح لولا مجيئ ضابطين امريكيين تدخلا في اللحظة الاخيرة ونجحا في اقناع جماعة البنتاغون بالانسحاب، ولعلها من المفارقات ان يتهم آمر وحده البنتاغون مدير مركز الشرطة العراقي بانتهاك حرمة وكرامة المعتقلين، فرد عليه الاخير باننا والحمدلله لم نفعل بهم كما فعلتم بالاسرى والموقوفين العراقيين الابرياء في سجن ابو غريب، ولم نعمد الى اتباع اساليب الـ(ستربتيز) معهم كما فضحتكم الصور والنشرات والافلام التي نشرت وعرضت في قناواتكم التلفزيونية، ولم يجد الضابط الامريكي جوابا غير اتهام ضابط الشرطة العراقي بان وقفته وطريقة كلامه تؤكدان بانه بعثي .. فتصوروا!
وقد صار واضحاً ان الذين فجروا مركز التجنيد في مطار المثنى هم وفق تحقيقات وزارة الداخلية جهات محلية، كردية انفصالية، وشيعية طائفية مرتبطة بايران، لها أحقاد دفينة على الجيش العراقي وتسعى الى ان يبقى العراق بدون جيش او قوات مسلحة باي شكل من الاشكال، خشيه انهيار نفوذها وتلاشي مصالحها وامتيازاتها، وقد أوعز برايمر لاتباعه بوقف التحقيقات في هذا الحادث واغلاق ملفه.
وثبت ايضاً ان عمليتي اغتيال وكيل وزارة الخارجية المرحوم بسام كبه ومدير عام وزارة التربية الشهيد كمال الجراح، كانتا من تدبير جماعات وميليشيات محلية استهدفت الاول لانه رفض المصادقة على تعيين (١٥۰) اسماً قدمته الاحزاب الانفصالية والطائفية للتعيين في السفارات والهيئات الدبلوماسيه العراقية في الخارج، لعدم الكفاءة والافتقار الى المواصفات المطلوبة، والغريب في هذا المجال، ان اطرافاً شيعية رشحت مجموعة من (الملالي) واغلبهم من اصول ايرانية وباكستانية واذربيجانية، سفراء في دول اوربية، فيما اصر حزب كردي على ان يكون أحد أعضائه، مندوب العراق الدائم لدى الجامعة العربية على (عناد) العرب وعمرو موسى، كما ينقل عن رئيس هذا الحزب.
كما اتضح مؤخرا ان برايمر لم يلغ هيئة الاجتثاث الوضيعة الا صوريا، فما تزال تمارس تهديداتها وابتزازها ضد الموظفين والعمال والمستخدمين في الدوائر الحكومية، وآخر المعلومات عن رئيسها الذي تخلى عنه اسياده بعد ثبوت تجسسه المزودج لواشنطن وطهران، انه استعان باثنين من كبار المسؤولين السابقين في جهاز المخابرات كانا من ابرز الضباط في عهدي سعدون شاكر وبرزان التكريتي ووصلا الى مرتبة (مدير عام) واحدهما عين سفيرا في الجزائر حتى عام ١۹۹۰ قبل ان يسحب الى بغداد عقب غزو الكويت، بعد ان كشفت الملفات في وزارة الخارجية الكويتية المستولى عليها، انه كان على علاقة مشبوهة بالسفير الكويتي في الجزائر.
اما الثاني فمعروف عنه ان برزان دسه في أوساط رجال الاعمال والصناعة واصبح صاحب مشاريع ومعامل واستثمارات رأسمالها يقدر بمئات الملايين من الدولارات.
والبائس الثالث في مستنقع الاجتثاث وهو في الاصل مفوض أمن، استورده الجلبي من ألمانيا التي قام فيها مع ابنه بعملية جبانة ضد موظفي السفارة العراقية ببرلين قبل عامين، وحكم عليه بالسجن واطلق سراحه بكفالة والتوقيع اسبوعيا في مراكز الشرطة، غير انه هرب الى بغداد بصحبة ابنه الذي ترك زوجته وطفليه في الغربة بلا رحمة، وأغرب ما في هذا المثال الاجتثاثي السافل، انه كتب في احدى صحف الاحتلال يعتب على برايمر لانه لم يستقبله، وسافر دون ان يتلقى هدية رمزية من الهيئة التافهة.
هذا جزء ضئيل من كم هائل تركه المستر برايمر من آثار ومخلفات استعمارية، يلعنه الله ويلعن خدامه واتباعه الذين سيأتيهم يوم لا ينفع فيه برايمر.. ولا نغروبونتي ولا رامسفيلد ولا وولفوتنز ولا حتى بوش، ووسيضربهم الـ(بلابوش) عاجلا أم آجلا، والبلابوش للعلم، اسم يستخدمه الفلاحون العراقيون للدلالة على داء يصيب الحيونات وخصوصا الابقار والاغنام والماعز.