زرت قضاء تلعفر، كبرى أقضية محافظة الموصل، عام ١٩٧١ لدعوة فريق كرة القدم من القضاء لأجراء مبارات مع الفريق الثاني لنادي الثورة الكركولي. فوجئت من المنظر الذي شاهدته في الشارع. وأنا بين حائر ومستغرب، سألت احد المارة: هل انا في تلعفر؟ اجاب نعم، قلت عجيب، فقل لماذا العجب يا أخي! قلت ان المارة كلهم بأزياء عربية وخشيت انني لست في تلعفر التركمانية. سألني من اين قدمت، قلت من كركوك، بدأ يتحدث معي باللغة التركمانية فقال أننا نعتز بأرتداء الزي العربي (الدشداشة والغطرة والعقال والعباءة) لأنه دليل حبنا للعراق والتصاقنا به، بالرغم من ان جميع اهالي التلعفر من التركمان.
حدثني شيوخ المدينة عن أبائهم واجدادهم وكيف شاركوا في ثورة العشرين الخالدة استجابة لنداء الوطن، وقدموا عشرات الشهداء لتمتزج دمائهم بتراب العراق الطاهر. قلت لهم ان هذا ليس بغريب عن التركمان، فأنتم احفاد اتابكة الموصل الذين لبوا نداء القائد صلاح الدين الايوبي لتحرير المسجد الاقصى وفلسطين الحبيبة من دنس الغزاة الفرنج.
واليوم يجسد أحفاد أحفاد منابطال جيش صلاح الدين الايوبي و مغاوير ثورة العشرين، ملحمة بطولية جديدة من اجل وطنهم العراق، لطرد الغزاة المحتلين ويحرروا مدينتهم الباسلة من دنسه تمهيدا لتحرير وطنهم العظيم.
لقد الحق مقاتلوا المقاومة التركمانية الباسلة في تلعفر، وقاتلوا، ومازالوا حتى كتابة هذه السطور، قتالا شرسا كبدوا المحتلين خسائرة جسيمة في المعدات والاوراح واحكموا سيطرتهم على القضاء وحرروها بالكامل لتلتحق باخواتها المدن العراقية المحررة، الفلوجة والسامراء والحويجة والانبار والنجف الاشرف واللطيفية والصقلاوية والدجيل والبعقوبة.
لقد اثبت المقامون التركمان الابطال في هذه الملحمة، ملحمة تحرير تلعفر العراقية من براثن الاحتلال وطرد قواتها خارج مدينتهم، بان المقاومة الباسلة امتدت لتشمل العراق من شماله الى جنوبه، وأثبت التلعفريون التركمان بانهم لا ينحازون الا للوطن في اوقات شدته ومحنته و لايبخلون في بذل دمائهم وأرواحهم قربانا في سوح الوغى دفاعا عن وطن ابائهم واجدادهم.
أن شهداء ملحمة تلعفر انضمت في العليين الى قوافل شهداء تركمان العراق الغيارة الذين ضحوا بدمائهم وارواحهم من أجل وطنهم الابي ورفعته ومجده وحريته واستقلاله.
وبهذا العمل البطولي برهن صناديد تلعفر الصامدة، ان التركمان لا و لن يكونوا خارج التاريخ النضالي الوطني للعراق وأكدوا للاعداء والمتربصين والمتشككين بوطنيتهم وأخلاصهم بأنهم أصلاء ومخلصون لهذا الوطن وتربته الطاهرة.
أن الملحمة التي سطرها ابطال تلعفر، دفاعا عن العراق، سيسجلها لهم التاريخ باحرف من النور وأن دماء شهدائهم لن تضيع ابدا وستبقى عنوان فخر وأعتزاز في لائحة شهداء العراق الابرار وتاريخ الشعب التركماني.
أرفع رأسك أخي التركماني وأختي التركمانية بشموخ فأهلكم في تلعفر الصامدة البطلة المحررة، بيضوا وجوهكم وعفروها بالمسك، وجعلوا هاماتكم تعانق السماء.