مجلة
تركمان
العراق

العدد الاول، السنة الاولى
تشرين الثاني - كانون الاول ۲۰۰۳

جريدة الاسبوع الادبي
العدد ۸۰۲ تاريخ ٦/٤/۲۰۰۲

تحقيق العالمية
فقـــدان بصره أثناء إعداد رســالة الدكتـوراه زاده إصراراً وتحدياً

حوار أجراه .. محمد حبيب

دراسـة التراث الإسلامي في العربية فقط دراسة مبتورة
تعلمت ثماني لغـات للاطلاع على تـراث الشعوب الإسلامية المهمل
لابد من إيجاد جيل متخـصـص في تحقيق تراث الشعوب الإسلامية

د. حسين مجيب المصري عالم موسوعي فقد بصره أثناء إعداده للدكتوراه الا أنه اصر على استكمال مشوار حياته وطموحه العلمي متحدياً كل العوائق حتى أصبح أول عربي يجيد ثماني لغات وينظم الشعر بالتركية، والفرنسية والأوردية والفارسية والروسية، ويترجم من هذه اللغات الى العربية ولعله أيضاً العربي الوحيد الذي ترجمت كتبه الى هذه اللغات وسجلت عنه وعن شعره رسائل جامعية عديدة في مختلف الدول الإسلامية.

لقب بعميد الأدب الشرقي والإسلامي المقارن، لكثرة مؤلفاته التي تزيد على ٦۰ مؤلفا معظمها في المقارنات بين آداب الشعوب الإسلامية وفي الأدب العربي والتركي.

في الأدب الشـعبي والإسلامي المقارن «صلات بين العرب والفرس والترك» ، «رمضان في الشعر العربي والتركي والفارسي» «إقبال والقرآن»، «إقبال بين المصلحين الاسلاميين»، «القدس بين شعراء الشعوب الإسلامية» .. الخ، الى جانب عشرات الكتب التي حققها وراجعها ومئات الرسائل الجامعية التي أشرف عليها، منحته الحكومة الباكستانية عام ۱٩٧٧م ميدالية إقبال، ووسام الامتياز عام ۱٩٨٧م .. وهو أرفع وسام يمنح للعلماء، كما كرمته الحكومة التركية عام ۱٩٩٧م بحصوله على وسام الخدمة العالية وهو أعلى وسام يمنح للعلماء في تركيا، ومنحته وزارة الثقافة المصرية جائزة التفوق في الأدب الإسلامي العام الماضي.

في حواره يتحدث د. حسين مجيب المصري .. عن حياته العلمية والصعوبات التي واجهته ومن تأثر بهم وأيضاً آداب وتراث الشعوب الإسلامية ودرجة تأثرها بالحضارة الإسلامية .. فإلى الحوار .

في البداية كيف كانت النشأة؟

ولدت بالقاهرة عام ۱٩۱٦م بقصر محمد ثاقب باشا وجدي - كان وزيراً للري في عهد الخديوي إسماعيل- في عام ۱٩۲٩م. حينما كنت طالباً في المدرسة الابتدائية، عكفت على قراءة كتب الرافعي، جبران خليل جبران وكان لنا حلاق يسكن بجوارنا ويحفظ من الشعر الكثير ولديه ملكة خصبة، ولم يكن متعلماً فكانت أتلقى عنه مما غرس في أعماقي حب الأدب وحفظ الشعر حتى أنني في هذه الفترة حفظت من الشعر وعرفت من الشعراء ما لم يعرفه من يكبرونني بعشرات السنين، وكانت لنا مربية نمساوية ساعدتني على تعلم الفرنسية.

متى ظهرت موهبتكم الأدبية؟

ظهرت ملكتي عندما التحقت بمدرسة السعيدية الثانوية بمحافظة الجيزة عام ۱٩۳۲م فكنت أنال الدرجات النهائية في الانشاء ونشرت أول قصيدة لي بعنوان «الوردة الذابلة» وهي مرثية في ابنة عم لي توفيت وهذه القصيدة من عيون شعري الى يومي الحاضر وكنت متأثراً بالخيال العالي في شعر الرافعي، وشوقي والزهير وغيرهم من الشعراء الذين قرأت لهم وفي هذه الفترة كنت أنظم الشعر بالفرنسية وأقدمه الى المدرس ليصححه لي وكان يبدي إعجابه بخيالي ورقة عاطفتي وكنت أترجم من الشعر الانجليزي الى الشعر العربي، وفي الجامعة التحقت بقسم اللغة العربية وفيها تكاملت حصيلتي اللغوية وكانت من مواد الدراسة اللغة الفارسية والتركية فولعت بهما كثيراً وتعمقت في دراستهما وكنت أعلم نفسي بنفسي ولا أعتمد فقط على الدراسة ودرست الألمانية وترجمت كتاباً ألمانياً تحت عنوان: «تاريخ الأدب الفارسي» وعلقت عليه.

يقال إنكم تجيدون ثماني لغات فأين تعلمتم بقية هذه اللغات؟

كما قلت تعلمت الانجليزية والفرنسية في المدرسة الثانوية وفي الجامعة تعلمت الفارسية والتركية والالمانية وبعد التخرج التحقت بمعهد اللغات الشرقية لمدة ثلاث سنوات بما يعادل الماجستير وفيه اتقنت الأوردية والايطالية والروسية وكنت أترجم من هذه اللغات الى العربية.

درستم لثماني لغات .. ماذا أفادتكم؟

درست هذه اللغات بهدف التعرف على المصادر الخاصة بالتاريخ الإسلامي في هذه الآداب وكنت أترجم وأنا طالب لزملائي وأساتذتي من هذه اللغات وساعدتني على الاطلاع على التراث الإسلامي للشعوب الشرقية لأن هذا التراث لايقتصر على الشعوب العربية فقط ولكن يجب الاطلاع على التراث الإسلامي لهذه الشعوب لأنه جزء من الحضارة الإسلامية وتاريخها، كما ساعدتني هذه اللغات على عقد المقارنات بين آداب الشعوب الاسلامية وبعضها البعض.

لكن رغم فقدانكم لبصركم إلا أنكم استكملتم المشوار العلمي وتعددت مؤلفاتكم .. كيف واجهتم هذا التحدي؟

حين حصلت على دبلوم معهد الدراسات الشرقية الذي يعادل درجة الماجستير حالت الحرب العالمية الثانية دون السفر لإعداد رسالة الدكتوراه فأشتغلت بتدريس الأدب التركي والفارسي والأدب الاسلامي المقارن في جامعة القاهرة ومعهد الدراسات العربية وعملت بالصحافة في بعض الصحف المصرية حتى عام ۱٩٥۲م، ثم سافرت إلى تركيا للحصول على الدكتوراه عن فضولي البغدادي «أمير الشعر التركي، وأثناء إعدادي لرسالة الدكتوراه أصبت بانفصال شبكي.. طالت رحلة العلاج التي انتهت بفقد بصري، ورغم ذلك زاد إصراري وحصلت على الدكتوراه وكنت أول عربي يحمل الدكتوراه في الادب التركي وأول من عرف القارئ العربي بتراث الترك الأدبي وأخرجت العديد من الكتب في ذلك، وترجمت الشعر التركي الى شعر عربي على نفس الوزن والقافية وكذلك الحال لآداب الشعوب الشرقية، وكان يساعدني أثناء رحلتي سواء في القراءة أو الكتابة ابني وبعض اصدقائي.

أطلق عليكم عميد الدراسات الشرقية والاسلامية المقارنة.. كيف حصلتم على هذا اللقب المرموق؟

سعة اطلاعي والمامي باللغات الشرقية ساعدتني منذ البداية على عقد المقارنات بين الآداب الشرقية والإسلامية وكنت أول من اشتغل بالأدب الشرقي، وكذلك أول من اشتغل بالادب الاسلامي المقارن، وعقد المقارنات له أهمية خاصة لا يستطيعها إلا من ملك ناصية كل هذه اللغات وهي أفضل ما يكون في إبراز حقائق الآداب التى تعقد بينها المقارنات. فنحن إذا عقدنا المقارنة بين فنون الشعر التركي والغربي فإنما نعقد المقارنة بين شعبين ومن هنا كان لابد من استغلال إلمامي بثماني لغات لعقد المقارنات بين آداب هذه الشعوب، وتبين لي من خلالها أن تراثنا الاسلامي ليس في العربية وحدها بل في لغات الشعوب الاسلامية الأخرى التي تعتبر كنوزا متخفية آن لها ان ترى النور بل يمكن ان أقول إن من يعتمد على دراسة التراث الاسلامي عند العرب وحدهم فإنها تكون دراسة مبتورة ولابد من استكمالها بالنظر في آداب الشعوب الإسلامية الأخرى.

ما موقع الأدب العربي لدى هذه الشعوب؟ وإلى مدى تأثرت آداب هذه الشعوب به؟

الأدب العربي هو الأساس المتين والرصيد الذي استمد منه شعراء الشعوب الإسلامية الكثير والكثير وهناك صلات وطيدة، وتشابه بين الأدب العربي وآداب هذه الشعوب من حيث التأثر بالاسلام وقيمه والحضارة الاسلامية والتاريخ الاسلامي وكل التيارات الروحية والعقلية عند المسلمين على اختلاف شعوبهم، فنجد مثلاً في الشعر التركي مايسمى بالرمضانيات يصف فيها الشاعر مظاهر الاحتفال بهذا الشهر وما فيه من خير وتقوى وكذا الحال في الشعر الاوردي والفارسي، وكذلك الحال نفسه بالنسبة لمأسأة فلسطين ومعالجة شعراء الشعوب الإسلامية لما يحدث واجتماع ووحدة المسلمين حول هذه القضية، وهو ما أكدته دراستي الأخيرة بعنوان « القدس بين شعراء الشعوب الاسلامية» وهو ما يعبر عن ظاهرة مهمة وهي الوحدة الاسلامية والتفاف الشعوب الإسلامية حول القضايا الاسلامية، لذا يجب الاهتمام وإعادة الصلة بتراث وآداب هذه الشعوب.

وما سبب عدم الاهتمام بتراث وآداب هذه الشعوب؟

في ظل الظروف التي نعيشها يسعى الجميع وراء الكسب المالي والعائد الفوري والاهتمام بآداب هذه الشعوب لا يتوافر فيه هذا الكسب، فهو يحتاج الى باحثين جادين يعكفون على دراسة آداب هذه الشعوب وهي كنوز تعتبر متخفية وتحتاج إلى من ينقب عنها ويكرس حياته من أجلها، لذلك وللاسف يهرب الباحثون الى الآداب الغربية سعياً وراء الكسب المادي السريع تاركين هذه الآداب مهملة الى جانب صعوبة هذه اللغات وعدم تدريسها في جامعاتنا وكذلك تراثها، لذا لابد من التكاتف وتوجيه جهود الباحثين الى هذا التراث وخاصة في ظل ما يسمى «الغزو الثقافي» الذي تتعرض له الأمة الإسلامية للحفاظ على هويتها من الذوبان في الثقافات الأخرى.

إلى أي مدى تأثرت الحضارة الغربية بالتراث الأسلامي؟

الحضارة الغربية الحديثة قامت على ما قدمه العلماء المسلمون في كل المجالات ولولا الحضارة الاسلامية وما قدمته للبشرية لما ظهرت الحضارة الغربية فالتقدم يتم دائماً على أساس رأسي، وللاسف كثير من الغربيين ينكرون ذلك ويجحدون فضل الحضارة الاسلامية التي قدمت بشهادة المستشرقين أنفسهم الكثير والكثير، ففي الشعر .. تأثر الشاعر الألماني - جوته - بالشاعر الفارسي حافظ الشيرازي، والشعر الروسي تأثر بالشعر العربي فهم كانوا ينظرون الى التراث الاسلامي على أنه تحفة وكنوز مهملة لا صاحب لها فكانوا ينهلون بل يسرقون منها دون ان يعترفوا بذلك ويدّعون الريادة، ولو اعدنا النظر في تراثنا الإسلامي لوجدنا في كثير من المجالات أن الريادة إسلامية وأن السبب فيما نحن فيه الآن هو إهمالنا لهذا التراث.

من هم أشهر الأدباء الشرقيين من خلال دراستكم لآداب هذه الشعوب؟

لانستطيع إحصاءهم وبصماتهم واضحة في التراث الاسلامي ويعرفهم من يطلع عليهم.. فعلى سبيل المثال لا الحصر - محمد إقبال - شاعر ومفكر وفيلسوف ومصلح اجتماعي وكان يرى أن غلاة المتصوفة من صرفوا ألفاظ القرآن الكريم عن ظاهر معانيها ولم يعجبه من شعراء التصوف القدامى دعوتهم الى الانصراف عن الدنيا والزهد فيها بل كان يدعو الى العمل وعدم اعتزال الحياة. وهناك - أحمد رضا خان - الذي كان صوفياً فقيها له مذهبه الصوفي واتباعه في الشرق والغرب وايضاً - فضولي البغدادي - امير الشعر التركي القديم وغيرهم كثيرون.

يرى البعض انه لايمكن ترجمة الشعر الى شعر .. فما رأيكم؟

في رأيي ان الشعر الشرقي والاسلامي لايترجم الا شعراً وهذا يتطلب ان يكون المترجم شاعراً متمكناً ومالكاً لناصية اللغتين وذواقاً ولي ديوان «بالتركية» وآخر بالعربية على نفس الوزن والقافية، والمترجم الحقيقي هو الذي يجعل النقل اروع من الأصل شعراً، وهذا ما فعلته مع شعر الشعوب الشرقية الاسلامية.

د. حسين .. ماذا عن الجوائز التي حصلتم عليها خلال رحلتكم العلمية؟

في عام ۱٩٧٧م دعتني الحكومة الباكستانية لتكريمي وتم منحي ميدالية إقبال، ومنحني الرئيس ضياء الحق وسام الامتياز وهو أرفع وسام يمنح للعلماء عام ۱٩٨٧م. وحصلت على الدكتوراه الفخرية من جامعة مرمرة بعدها بثمان سنوات، كما حصلت على وسام الخدمة العالية التركي وهو أرفع وسام للعلماء، أما مركز بحوث مولانا الامام أحمد رضا القادري فمنحني وساماً ذهبياً عام ۱٩٩٩م، أما في الوطن العربي فلم أكرم فيه لا ادري ما السبب؟ باستثناء جائزة التفوق في الأدب الاسلامي من وزارة الثقافة المصرية.

في النهاية .. كيف يقضي د. حسين مجيب المصري - يومه؟ وما هي آخر أعماله؟

لا أستطيع أن أتخلى عن القراءة والكتابة فهما بالنسبة لي كالماء والهواء، أي الحياة، فأقضي كل يومي في القراءة والكتابة ومؤخراً صدر كتابي «القدس بين شعراء الشعوب الإسلامية» ولي كتاب تحت الطبع «بدائع إقبال في الشعر الأوردي» ويتخلل يومي زيارة طلابي لي وبعض الاساتذة الذين يريدون أن أترجم لهم بعض المراجع من إحدى اللغات الشرقية الى العربية.


جريدة الاسبوع الأدبي السورية

الإنسانية في أسمى صورها... القضية الأولى في شعر حسن كورم

فوزي أكرم ترزي

على ضفاف نهر "آق صو" الهادئ وفي محلة جقلة بطوز خورماتو- ولد الشاعر التركماني حسن كورم عام ۱٩۲۲- العراق.‏

بعد سبعة أيام من ولادته أصيب بمرض عضال دام أربعين يوماً وعلى أثره فقد بصره، وبالرغم من ذلك عاش متفائلاً مفعماً بالأمل والحب، وكان يتلذذ بقصائد والده وحفظ الكثير منها وخاصة تلك التي تتعلق بالإنسان وحقوقه، وبقلبه النابض بالأحاسيس وبقضايا الإنسان المعقدة وهمومه اليومية وفي عام ۱٩٥٤ نشر أول قصيدة له بعنوان "الكسل" في جريدة "آفاق" بكركوك يبين فيها أضرار هذا المرض الخطير في المجتمع يقول: -‏

"العسل بذلة، لا يُشَبِع البطون الجائعة‏
من تجرد من المروءة، وجد الكسل راحة‏
أما من عرف قدر نفسه لفظ الراحة‏
ورمى بنفسه في معمعان العمل‏
يا عزيز النفس، اعملْ تُعَز وتكرم"‏

وفي عام ۱٩٥٥ نشر قصيدته المشهورة "ياطوز" والتي أحدثت صدىً في أوساط الأدب التركماني، بحيث أن شعراء كباراً أمثال رشيد عاكف - خضر لطفي وآخرين كتبوا قصائد استوحوا أفكارها من تلك القصيدة متأثرين بها.‏

"طوز"‏
لك اليوم يا طوز، شهرة عالية‏
يتحدث الناس عن عزتك، وجلال قدرتك‏
أنت مبجلة منذ الأزل، وستبقين هكذا إلى الأبد‍!!‏

كان شاعرنا يعتز بلغته وتراثه ويؤمن بشرف الكلمة في الدفاع عن الأمة والوطن، ويجيد خمس لغات باتقان، في السبعينات نال جائزة مجلة الإخاء التركمانية كأحسن شاعر، وفي عام ۱٩٨٨ نال جائزة "فضولي البغدادي" في استفتاء القصائد التركمانية التي جرت في مجلة الإخاء التركمانية، وترجمت قصائده إلى العربية، وكان كورم يدعو الناس في جميع قصائده إلى المحبة والمساواة والتزام جانب الحق والإنسانية.‏

وفي أحد الأيام قرأ له أصدقاؤه قصيدة الشاعر الأربيلي يوسف غريبي المتوفي ۱٨۱۳ فتأثر بها ونظم كورم قصيدة جوابية لها... ويقول:‏

[الحق يا غريبي، لم تبق في العشاق رغبة‏
إن عالم اليوم غير عالم الأمس، فلا إنسان تدوم موّدته‏
لقد تبدل كل شيء، حتى السقاة ومجالس الشراب‏
فالخمر، وهي دواء الروح، تنكرت لصفاتها‏
منذ فارقها أهلها، ولم يعد الشارب ينشي بها‏
بل هي تعكر صفوه، وتبعث فيه الحزن والأسى]‏

حقاً إنه شاعر الإنسانية، إذ تمنى الازدهار والتقدم والرفاهية لأمته ولجميع شعوب الأرض، وكان يهتم بالشباب ويثير في نفوسهم القوة والمناعة ضد التقاليد الغربية المزيفة، ويدعو إلى مجتمع قويّ على أساس العلم والثقافة.‏

كان يكتب الشعر بأوزان العروض وبعد ذلك بدأ ينظم أشعاره بوزن "الهجا" فقد غنى الكثير من المطربين العراقيين والأتراك قصائد له، وحازت على إعجاب كبير، ومعظم قصائده لم تنشر بعد.‏

اكتويت بحبك من زمنٍ، فلا تجعليني انتظرْ‏
مللتُ حتى نفسي، أفلا يكفيك هذا الصدْ‏
سبق أن قلت لي، وسآتي وصدقتك‏
سنوات مَرت، ولم تُفِ بوعدك يا حبيبتي]‏

إن قصائد كورم تتبع من تجاربه المريرة في الحياة التي عاشها، وعانى من الحرمان والإهمال، إلاّ أنه ظلّ مبدعاً ومتفائلاً للغد السعيد، ويشبهه البعض بأبي العلاء المعري لتشابه مأساتيهما إلاّ أن شاعرنا لم يتأثر في كتاباته بأبي العلاء المعري...‏

[لا تفتخر يا أخي بالدنيا، وبما ملكت يمينك‏
ولا بجمالك، أو بقوة ساعديك‏
لا تصدق من يقول إنه لمس الوفاء من الزمن‏
لا تنخدع، فلا وفاء لدورة الفلك]‏

[إذا ذقت صفو الحياة، فلا تغتر، فهذا الصفو مؤقت‏
لو ملكت كل الدنيا، فإنك في النهاية زائل لا محال‏
فيما مضى جاء (سليمان) وحكم العالم أجمع‏
ولما جاء أجله، نفض يديه من الحكم]‏

الشاعر هذا الإنسان البسيط، كان يمتلك الفكر النير والحدس الشديد، بالرغم من فقدان بصره، كان يتصور أشياء جميلة وعالماً زاخراً بالأشكال والأوصاف، ويحلم بها كالأطفال، وحلم النابغين، إن تحقيق الحلم الأفلاطوني لدى كورم يرتبط بأمل كبير منتظر وبشكل له قيمة جمالية عظيمة في الوجود لأن قلبه مفعم بالأمل الأخضر...‏

شاهدت نفسي في الحلم في رحلة‏
وصلت عالماً لا أثر للحزن فيه‏
وحديث الناس هناك في صفاءٍ ونشوة‏
لم يسحق الحزن أياً منهم‏
كانت بيوتهم من زجاج وطرقاتهم من بلور‏
ستائر شبابيكهم من الأزهار‏
سألت فما وجدت للجهل مكاناً بينهم‏
يعمل الجميع ليتقدم العِلمُ والفن‏
الكل يفكر لفائدة الآخرين‏
لا يلحق أحد ضرراً بالآخرين بعمله‏
أجل سألت عن الظلم فلم يعرف عنه أحد‏
علمت أنه ليس هناك من يعمل شراً هناك‏
لنكن نحن أيضاً في مثل جدهم!!!‏

إن الشاعر كورم كان إنساناً قبل أن يكون شاعراً، لأن فلسفته الراسخة في الحياة هي الإنسان، فقد تغنى في كثير من قصائده للإنسان المضطهد، للحق... للحرية وللوطن العزيز، ولعل الإيمان العميق، بمجد الإنسان ومشاعره الطيبة وعظمته كان وراء الشاعر وخلود أشعاره في الوسط التركماني.‏

احترق وتساقط من عيني الدموع‏
أنا لا أبكي من أجلي يا أبناء وطني‏
بل لأجل الآخرين فأفهموني يا أخوتي‏
كي يفكروا بأي فعلٍ يمجد الإنسان!!!‏

كان الشعر حياته، والرئة التي يتنفس بها، حيث أضاءت قصائده سماء الحياة الأدبية والاجتماعية في الستينات والسبعينات، وكان يلقي قصائده في المهرجانات بكل حماس، وأمل وتفاؤل وبصوت جهوريّ، وكان يملك طريقة في الإلقاء يتفرد بها عن الآخرين، إن قابليته الشعرية هي التي أعطته مكانته المتميزة بين شعراء الستينات، وبهذا يعتبر الشاعر حسن كورم واحداً من أعمدة الجيل الشعري الكلاسيكي في الستينات والسبعينات، وكثيراً ما تجسد في شعره الطابع الإنساني ذو القيم، والمثل والفكر الفلسفي الملتزم بالأخلاق والمؤمن بالعلم الحديث، كما كان يهتم بإرشاد الشباب وتوجيههم وينشد بتحقيق العدالة والمساواة في المجتمع، على أنّ حبه للحياة ولسعادة الإنسان بلا حدود... إذ كان يقول يحب أن لا يسكت الشاعر إلى الأبد...‏

يتضح أن الرغبة، انعدمت عند العشاق‏
عالم اليوم مختلف، لا ألفة لأنسانه‏
تغيرت الأمور، حتى السقاة ومجالس الطرب‏
رَحَل دعاة الأنس، فقدت الخمرة سحرها‏
لا ينتشي شاربو الخمرة، بل يصيبهم الحزن والكمد‏
فقدت الخمرة لذتها، لذا فقد وجب هجرها!!!‏

إن لغة الشاعر لغة قوية سلسة، وهو لا يعتمد على لغة مجلجلة معقدة وليست هي باللغة اليومية الباهتة، إن هذه القدرة في استخدام اللغة تضيف لقصائده نكهة التميز والأصالة، وجمالية خاصة لخلق روح جديدة، وعالم جديد، لأن اللغة تنمو على يد الشاعر والذي يؤثر بدوره على المتلقي المسكين.‏

وبما أن اللغة تتمتع بقدرة فائقة على التأثير في نفس الإنسان، كان الشاعر يردد دائماً "الذروة في العزم، والقمة في الإصرار، اللغة هي الأساس"‏

لتذبل الأزهار.... ولتسحق الورود‏
فآمالي لن تذبل... لأن للقلب يومه الموعود‏
ها هي ليالينا التي مرت، والشقق قريب‏
إن الشمس إذا أشرقت، غربت آلامنا‏
سيكون ذلك اليوم ربيعاً آخر لنا‏
سترى فيه سعادة حقيقية‏
لو عملنا بجد، لتحول الوطن إلى جنة‏
تُحير الحور والملك‏
فَكِرْ بالناس يا "كورم" واذكر وطنك‏
لي أمل وها هو القلب ينتظر يومه الموعود!!!‏

مواضيع الشعر عند كورم هي مزيج من الحب الأفلاطوني والهم الأزلي، والحكميات والوصف، والحب يأخذ شكلاً قاسياً ومحزناً في بعض قصائده، وإن من يطلّع على قصائد "كورم" بدقة ووضوح يلاحظ حضور الوعي الشعري عنده وقابليته على ترسيخ قصائده بشذرات من هذا الوعي... ويشعر بأنها جزء لا يتجزأ منه وزنه يعبر بحق عن مشاعره الصادقة وأصالته التركمانية العريقة، وتميل قصائده التراجيدية إلى إثارة الأشجان مبعث الأحزان في النفوس، كما تتضمن قصائده الحكيمة معاني الخير، وأريج أيام زمان المفعم بالحب الأفلاطوني، لأنه يمزج الواقع بالخيال مع الحلم الأخضر.‏

لقد عاش [حسن كورم] حياةً نكدة، مؤلمة، فلم يتزوج، ولاقى سلسلة من المتاعب إلاّ أنه لم يستسلم للغم والتشاؤم، فحبه لوطنه ولكل أبناء أمته خفف من وطأة نكساته ومصائبه، فقد توفي في ۱۱/۱۲/۱٩٩٥ إثر مرض عضال بعدما لمع في سماء الأدب التركماني المعاصر كنجمة ساطعة طوال أربعة عقود.‏


جريدة (الزمان)
العدد ۱٥٧٦ التاريخ ٦/۸/ ۲۰۰۳

سيرة مدينة في رواية فاضل العزاوي (آخر الملائكة)

نصرت مردان

حسنا فعل فاضل العزاوي عندما لم ينجرف إلي وصف مدينة خيالية جريا علي عادة بعض الكتاب العراقيين والعرب بعد اطلاعهم علي (مدن الخيال) لكالفينو. بل قادته ذاكرته صوب مدينته كركوك وبالذات الحي العتيد (جقور) فجعله محورا لأحداث روايته (آخر الملائكة).

بعد أن حولت ذاكرته الروائية حيا منسيا في افياء قلعة كركوك إلي موضوع لرواية ممتعة، حيث أشرك القارئ معه في وهو يجوب في رحلته الواقعية التي اختلط فيها الوهم بالحقيقة والخيال بالواقع.

استحضر العزاوي بمهارة الروائي المقتدر كثيراً من الحوادث وأعاد تشكيلها وصاغها، ليضفي علي حي (جقور) أبعادا جديدة وصاغها معتمدا بالدرجة الأولي علي ذاكرته وتهويماتها. وإذا كان العزاوي يحلم فانه جعل أحد أحياء المدينة، مكانا لأحلامه لإدراكه بأنه ليس ثمة حلم غير مرتبط بمكان وزمان معينين.

ولج الراوي إلي الحياة اليومية في ذلك الحي الشعبي في أزمان مختلفة، تبدأ من العهد الملكي وصولا إلي يومنا هذا. في مهرجان من الشخوص والأحداث يعيش فيه الجان والأرواح جنبا إلي جنب مع الوعي الخرافي الحلمي الأسطوري والغرائبي والسياسي لشخوص الرواية. بحيث اختلط علي القاريء الحقيقة من الوهم والتاريخ من الأسطورة.

شخوص الرواية لا يعيشون زمنا معينا فالزمان في الرواية ليس زمنا محددا بل أزمنة متعددة.يبدأ بالوجود البريطاني ويستمر من الحكم الملكي إلي الجمهورية وصولا إلي الفترة الراهنة، أي كل المراحل الزمنية التي عايشها الكاتب نفسه، منتقلا في شخصية برهان عبدالله الذي أضاع نفسه في المدن والقارات وبين أزمنة الموت وأزمنة الحياة الأخري. حيث يعود وثمة قبعة رمادية تغطي صلعته بعد غربة استمرت ستة وأربعين عاما. أغلب شخوص الرواية مستمدة من شخصيات حقيقية ومعروفة في كركوك مثل حميد نايلون، الذي تبدأ الرواية بطرده من عمله من شركة النفط التي يهيمن علي إدارتها الإنكليز بعد محاولته التودد الي (هيلين) زوجة المستر ماكنلي. بعد محاولته كسب ودها بشراء (جورب نايلون) لها. فتهب محلة (جقور) عن بكرة أبيها المدينة للدفاع عن ابنها البار في مظاهرة صاخبة ضد الإنكليز. ويعتبر حميد نايلون من أهم شخوص الرواية الذي يدخل في صراع مع الملا زين العابدين بعد قوله في خطبة الجمعة من أن الإنكليز أكثر رحمة من كثير من المسلمين، والذي يختفي علي اثر مجزرة كاورباغي وتشيع زوجته أنه سافر إلي لبنان، ثم يشاع انه انضم إلي الوحدات العسكرية التركية المقاتلة في كوريا، وصولا إلي تمرده المسلح ضد الإنكليز.

وهنالك شخصية الملا زين العابدين القادري، الذي تقوده الشرطة إلي مركز الأمن بتهمة الشيوعية لأنه هاجم الإنكليز الذين كانوا قد فصلوا حميد نايلون من عمله في شركة النفط. وكذلك المجنون ده لي احسان الذي يعرفه الراوي بأنه ليس من البشر وإنما من الفصيلة المسلمة للجان. لذلك يتناول من الدكاكين ما يريد دون اعتراض. وبرهان عبدالله الصبي الذي لا هم له غير العفاريت، وخضر علي القصاب الذي يتوجه مع زوجته وبناته الثلاث للعمل في منطقة (الحويجة) التي يعيش فيها حياة مثيرة ثم يعود معتكفا في تكية لكنه يعلن في يوم ما أنه تسلم رسالة من الغيب تأمره بالخروج والبحث عن شقيقيه المفقودين منذ الحرب العالمية الأولي ثم يعود بعد رحلة غرائبية ممتعة، حيث يقابل غناما يطلق علي نفسه اسم درويش بهلول، وفي المغارة التي يدعوه إليها يعترف له بأنه الموت، ويشارك بهلول مع الوفد الذي يتوجه لزيارة الملك لحل أزمة هدم المقبرة، ويعرف درويش بهلول بعد لقاء الملك الذي يعلن ان حرمة الأموات يجب أن تظل مصانة، بأن البراءة التي أظهرها الملك لن تدوم طويلا وسوف يخترقها الرصاص ذات صباح حتي قبل ان يدرك الملك تماما ماذا حدث، ويودع بهلول أعضاء الوفد بهذه الكلمات (أنا الذي ينتظركم منذ لحظة الولادة. وداعا والي لقاء). وهناك أيضا شخصية محمود العربي اللص الشريف الذي يحمي محلته جقور من اللصوص، مشيرا أنه لا يمكن أن يخون وطنه لقاء كسرة خبز، وهو يعني بالوطن محلته نفسها، إضافة الي عشرات الشخصيات المثيرة والممتعة.

عمل العزاوي من خلال شخوص الرواية وأحداثها علي مزج الخيال بالواقع والحلم بالوهم والواقعية بالميتاواقعية ليمزج وقائع تاريخية من حياة كركوك متمثلة بحيها العتيد (جقور) بدفق من الخيال الملازم للحياة الإنسانية ــ فينمو الحلم ويتطور خطوة خطوة مع أحداث ووقائع الرواية.وبذلك جعل الروائي (جقور) محورا لكل الأحداث التي مرت بالعراق، وأصبحت جزءا من تاريخه ــ لقد نجح العزاوي أيما نجاح في أن لا يخلق للحي أسطورته المحلية بل جعلها جزءا من أحداث عامة مرت بالعراق.

رغم كون حي (جقور) محورا للأحداث، إلا أن ثمة أماكن تقع فيها أحداث مؤثرة في الرواية ولعل أهم رقعة مكانية هي (كاورباغي) التي وقعت فيها أحداث أول إضراب عمالي، والتي سميت باسم (كاورباغي) نظرا لتجمع المضربين والمتعاطفين معهم فيها، حيث دام والذي استمر سبعة عشر يوما وأسفر عن ثلاثة عشر قتيلا. وظف العزاوي هذه الواقعة التاريخية توظيفا رائعا في تطور أحداث الرواية، فعندما تخترق المظاهرة محلة جقور ذهابا وايابا، وتتوهم النساء اللواتي يتفرجن من السطوح إنها موكب لاستجلاب المطر بسبب الوجوه المصبوغة بالسخام ورؤوس الماعز فيسكبن الماء فوق رؤوس المتظاهرين (وهو وصف دقيق وفي سطور محدودة للطقوس التي كانت سائدة في كركوك لاستجلاب المطر ويسمي باللغة التركمانية (كوسة كلدي)، ويساهم الإضراب في زيادة نقمة حميد نايلون علي الإنكليز، بل في تعاطفه مع الحزب الشيوعي.

أما الحادثة ا الثانية التي وظفها العزاوي أيضا في (آخر الملائكة) فهي حادثة هدم المقبرة، والتي لا تزال نابضة في ذاكرة أهالي كركوك، والتي نشبت بسببه نزاعات وصدامات مع قوات الشرطة بعد اتخاذ بلدية كركوك قرارا بشق طريق عبر المقبرة القريبة الواقعة في المصلي معتبرين هذا القرار المجحف تحديا لمشاعر الأهالي ولا يمكن القبول به لأنه يعني نبش قبور الآباء والأجداد وأولياء الله الصالحين.(كتبت بدوري قصة عن هذه الحادثة بمعالجة جديدة قبل عدة سنوات، نشرت قبل عامين بمجلة المسلة تحت عنوان (تلك الرائحة القديمة). في الرواية ما أن يسمع أهالي محلة (جقور) بالحادث الشنيع حتي يبادروا للاتصال بخضر موسي للتوسط لدي المتصرف أو الملك، ويتم الاتفاق فيما بعد علي تشكيل وفد للذهاب الي مقابلة الملك. ويترأس الوفد الشاعر هجري ده ده، الذي يسمي في الرواية ده ده هجري، والذي يعتبره الملا زين العابدين القادري بأنه (أعظم شاعر أنجبته المدينة) ويعتبر هذا الفصل حقا من الفصول الممتعة في هذه الرواية المهمة التي تتداخل فيها القصص والحكايات والأساطير والخرافات بحيث لا يمكن لأي عرض أو سرد أن توفيه حقه، نظرا لثراء الأجواء الدرامية فيها، وعذوبة السرد وتوارد الأحداث المتلاحقة التي تزيد من متعة القاريء وتحقق استمراره في قراءتها حتي صفحتها الأخيرة.

ولا يفوت العزاوي في أن يطل في روايته علي أماكن تاريخية عريقة في المدينة مثل السوق الكبير والقيصرية وسوق الدواب وأحياء عريقة مثل القورية وشاطرلو وصاري كهيه. كما يتحدث عن ملهي الهناء، وهي كانت قائمة فعلا في كركوك (لربما باسم آخر) وكان آخر عهد كركوك بالملاهي بعد إغلاقها عقب جريمة قتل فيها. في الرواية الشقي (عباس بهلوان) الذي هو في الواقع (عباس وطني) من زبائن الملهي لتولعه بالراقصة (كواكب) حيث تخرج مظاهرات نسائية تردد (ملهي العاهرات خرب بيوتنا) وينضم إليهن الدراويش مرددين شعارات سياسية (القدس للمسلمين) و(تسقط الشيوعية)!

مثل عادة العزاوي في أعماله الروائية في اختزان التوتر حتي النهاية ويفجرها مفاجئا قراءه، يعتبر الفصل الأخير من رواية (آخر الملائكة) خلاصة لمهارة الكاتب في توليف الواقع الاجتماعي مع الحس الفنطازي والميثولوجي وربطهما بالحياة اليومية في حي (جقور) المنسي وجعله محورا لحوادث وحكايات غرائبية. تختلط فيها الواقع بالخيال، التاريخ بالوهم. في الفصل الأخير من الرواية أضفي العزاوي أفاقا أخاذة، أطل فيه الشعر بسحره وعذوبته علي الواقع ليذكر القاريء أن السحر والحلم مهددان بواقع قبيح. لقد انساب الشعر في هذا الفصل والتحم بلغة السرد التحاما رائعا. لم يقع فاضل العزاوي في (آخر الملائكة) في مطب الحديث عن مدينة مجردة من البعد الإنساني والحديث عن مدينة خالية وأماكن مغلقة علي البعد الإنساني. بل عايش المكان معايشة فيها ملامح إنسانية مؤثرة ضمن أحداث واقعية وتاريخية للمدينة. ويكمن سر ذلك إحساسه الروائي المتدفق بأنها مدينته التي لا يمكن استبدال خصوصيتها وملامحها اليومية وشخوصها بمكان آخر. لعل توجه العزاوي بمثل هذا الاقتدار الروائي الباهر عن حي (جقور) وتحويله إلي مسرح ينعكس عليه كل الأحداث في المدينة علي اعتبار أن المدن هي الذاكرة، وهي التاريخ الصادق الذي لم تلوثه أقلام الساسة، وليس هناك من هو أجدر من شعرائها وكتابها في الحديث عن المدن بأحيائها ومعالمها ومقاهيها ومقابرها وأناسها زاوج العزاوي في روايته بين الواقع والمتخيل، وجعل الواقع أكثر ثراء من المتخيل، وجعل المتخيل جزءا من الواقع. وهو حينما عمد إلي الواقع والمتخيل والخيالي والأسطوري، فانه لم يفعل ذلك لشهوة المحاولة فقط بل لأن النص فرض عليه المنطقة التي يكتب منها. الرواية الجيدة كما هو معروف هي تلك التي تجيد التعامل مع الواقع السياسي والثقافي والاجتماعي وتتغلغل في الذات وليس العكس في تصوير الواقع تصويرا جامدا لا طرافة فيه ولا إبداع. ان كل نص يحتمل في ذاته أكثر من قراءة، وان كل قراءة هي خلق جديد للنص الروائي فالقاريء عند قراءته للنص يخلع علي الصور والمعاني والمفاهيم والأخيلة صورا ومفاهيم ومعان متعددة. كل نص روائي له منطقه الخاص ويحمل إشارات تقبل التأويل والتفسير والتخيل مع كل قراءة.

(آخر الملائكة) تجربة حياة قبل أن تكون تجربة لغة. اللغة الروائية فيها، لغة سلسة منقادة تغري بالتواصل حتي آخر صفحة من عدد صفحات الرواية الضخمة. وهي حينما تحكي فإنها تتوهج في تفاصيل كل رحلة، مع كل جملة وكل صفحة. باستنطاق النص يبدو لنا فضاء المدينة ليس مجرد خريطة جغرافية في (آخر الملائكة) مدينة حية، دافئة، نابضة بالحياة داخل ثراء مكاني رائع تتحرك فيه الشخصيات لتصبح عنصرا مهما من عناصر تطور الحدث في الرواية. ولم يكن كل ذلك مجرد وصفا فوتوغرافيا وإنما يحمل المكان قيما مختلفة وأحيانا متعاكسة. نجح العزاوي في استثمار خزين ذاكرته الخصبة في خدمة إعادة تاريخ المدينة من خلال حيوات الناس الذين يعيشون فيها وكأنهم جزء من ذلك التاريخ. العزاوي فعل في (آخر الملائكة) ما لم يفعله الروائيون العراقيون. فهو تحدث عن تاريخ مدينة وواقعه المعاش في صور بانورامية رائعة متنقلا بجدارة بين الواقع والمتخيل. حيث نجح في أن يجعل فضاء روايته مشرع النوافذ لإدراكه بأنه يكتب الرواية لنفسه أولا. بل انه كتب فيها نفسه مما أسهم في نجاحه كروائي.

ان المكان في آخر الملائكة ليس معزولا عن الزمان والحركة لانهما يتمثلان في وحدة عضوية متلاحقة، وتضفي الأحداث عليها الحيوية والدفء. المكان ليس متخيلا بقدر ما هو واضح ومحدد، والصور فيها ليست مطابقة للواقع حرفيا، بل ثمة دور ولمسة للمخيلة في صياغة جديدة للمكان وإضافات لا تتطابق بالضرورة مع مشاهد المكان والأحداث. المكان في الرواية كما في بقعة في العالم يكتسب قيمتها من زمان تتفاعل فيه الرؤي والأحداث والحلم. فالمكان في الرواية هو الزمان، والزمان حركة في المكان. وفضائه يتمظهر في حي جقور.

مثلما أكتشف لينين واقع روسيا من خلال أعمال تولستوي، فأن القاريء سيكتشف من خلال غوصه في ذاكرة مدينة كركوك، جزءا من سيرة هذه المدينة بأناسها وتاريخها من خلال رواية (آخر الملائكة) التي أتمني ان تترجم إلي لغات أجنبية عدة.


موسوعة النهرين

نصب الميزان لتقييم التركمان

أياد العراقي

الكون ... وحدة موازين فلكية من مجموعات منظمة، منها مجموعتنا الشمسية المكونة من مجموعة الكواكب السيارة ومن بينها أرضنا التي تتواجد عليها مجموعة أنظمة منسقة ودقيقة من الكائنات الحية التي تتكون من مجموعة أمم الإنسية والجنية والحيوانية والنباتية والحشرية وغيرها ... وأمم الإنس تتكون من أقوام وشعوب وقبائل متعددة الأجناس والألوان واللغات.

لكل قوم من البشر صفات خاصة بهم وفضّل الله أقواماً على أقوام في الصفات لحكمة يراه سبحانه وتعالى، فمهما أردنا أن نقيم هذه الأقوام لا نستطيع أن نصل إلى درجة كافية في سرد كل الصفات المتعلقة بهم. ولكن لا يمنعنا هذا في عدم المحاولة في ذكر هؤلاء أمانةً للتاريخ البشرية ودروسا للأجيال القادمة.

العراق بلد عريق له تاريخ مميز لا يستطيع أحد أن ينكره كائنا من يكون. سمي بمهد الحضارات والرسل والأنبياء ومنبع العلوم والقوانين، مدن العلوم والحكم، وادي الرافدين وأرض الخصب والنماء، بلد الخيرات والعطاء، مدرسة التضحيات والفداء، ساحة الانتصارات وحاملة البيداء. احتضن أقواماً عديدة منهم انقرضت ومنهم من رحلت ومنهم من اختزلت ومنهم من تدوم إلى عصرنا الحاضر.

العراق بلد يتكون من قوميات عديدة ومختلفة الأجناس والأعراق واللغات والمذاهب والمعتقدات والثقافات بحكم القدم الحضاري لوادي الرافدين، والقوميات الرئيسية في العراق حسب عدد نفوسها (العرب والأكراد والتركمان) وهناك أقليات كثيرة من الأقوام العديدة (الآشور والسريان والكلدان) لا نتطرق إليهم في هذا المقام لضيق المقال. وبما أن الكثيرين يعلمون ويكتبون الكثير عن عرب وأكراد العراق بعددهم وعدتهم وأصواتهم إقليمياً ودولياً، نجد بأن ثالث أكبر القوميات العراقية عدداً ألا وهم التركمان قد تناست حقوقهم السياسية والاجتماعية لأسباب الداخلية والخارجية، وقليل من يكتب بمصداقية عنهم. والكتابة عن تركمان العراق ليس بأمر هين لأن كثيراً من الحقائق طمست في دهاليز التاريخ وأخفيت تحت أنقاض العصور الغابرة وبعضهم وضعت على رفوف أرشيف الماضي أو على هوامش الموسوعات.

فان أردنا أن نقيم الشعوب عند وضع ميزان التقييم فعلينا ذكر ما في كفي الميزان معاً مهما كانت حجم السلبيات والإيجابيات .

التركمان أناس انحدروا من عرق الأوغوز في أسيا الوسطى وترجع أصولهم إلى يافث بن نوح وصولاً إلى آدم (عليه السلام)، علما بأن المؤرخين اختلفوا في أصل الأجناس اختلافا ضئيلاً ولكن أصل التراكمة رجح إلى أوغوز خان بجانب قبائل الأويغور (تركستان الصين الشرقية) والمغول والتتار (جمهوريات السوفييت البائدة) والآزريين وأتراك بالان وقاقاووز وغيرهم. وملحمة أوغوزنامة تبين وقائع تاريخية معينة ذات علاقة بالمعتقدات التركية وطرق العيش في المجتمع التركي، وتعتبر جزءاً مهماً من الملاحم التركية الكبرى التي تمجد أعاظم الشخصيات التركية التاريخية.

لسنا هنا لسرد تاريخ التركمان الذي يحتاج إلى مجلدات كثيرة، ولكن نحن هنا لتقييم تركمان العراق ولو بشكل مبسط ومفيد، فبقدوم التركمان إلى العراق مثل باقي الشعوب واستيطانهم فيه في الحقب التاريخية المختلفة وظروفها والى عصرنا الحالي، نقف أمام واقع ملموس لا يقبل الشك بأن تركمان العراق يعتبرون من سكان العراق العريقين ولهذا القول شواهد وأدلة من المؤرخين القدماء. وكانت لتركمان العراق إمارات وحكومات مثل الإمارة الأتابكية في الموصل (الزنكية) حكمت قرناً كاملاً (۱۱۲٧-۱۲۳۳م)، والإمارة التركمانية في أربيل حكمت ٦٥ عاماً ( ۱۱٤٤-۱۲۰٤م )، والإمارة التركمانية في كركوك (٦۲۳هـ ، ۱۲۳۰م) وقد سميت (الإيواقية) أو (الإيوائية) وشملت السليمانية الحالية وسهل شهرزور. أما الحكومات التركمانية في العراق: الدولة السلجوقية حكمت ٧٦ عاماً ( ۱۱۱٨ – ۱۱٩٤م )، والدولة الجلايرية حكمت ٧۳ عاماً ( ۱۳۳٨ – ۱٤۱۱ م )، والدولة البارانية (قرة قوينلو) حكمت ٥٩ عاماً (۱٤۱۱ – ۱٤٧۰م)، والدولة البايندارية (آق قوينلو) حكمت ٤۰ عاماً (۱٤٧۰ – ۱٥٨۰م)، والدولة الصفوية (۱٥۰٨ – ۱٥۳٤م ) حكمت ۲٦ عاماً فقط، فان عام ۱٥۳٤م هو عام الذي قام فيه السلطان العثماني سليمان القانوني حملته على العراق، عند ذلك انتهى دور التركمان بصفتهم حكاما مباشرين في العراق بظهور العثمانيين على المسرح السياسي وتوليهم الحكم فيه وكان ذلك سبباً في اختزال دورهم في سياسة العراق لطول مدة حكم العثمانيين الذي ما استطاع أياً من الحكومات أن يدوموا مثل هذه المدة الطويلة مثلما استطاع العثمانيين بقرابة ٦ قرون، بل اقتصر دور التركمان على تقديم الدعم والإسناد المعنوي والمادي بمستوى معين لا يرقى إلى مستوى قيادة وإدارة الولايات في معظم الأوقات. وتفرغوا إلى الحياة المدنية بعد أن ملوا الحروب والصراعات لسنين طويلة، وأصبحت ميولهم تتجه إلى العيش الرخيّ والحياة المدنية التي اعتادوها وزاولوا الزراعة والتجارة والصناعات اليدوية كما استهواههم الأدب والشعر، وتلقي العلوم الدينية والدنيوية . تكاثرت نفوسهم ووصلت الى ٤ ملايين حسب احصائيات منظمات التركمانية ومليونيين ونصف مليون حسب إحصائيات الرسمية. والمناطق التي يسكنها التركمان في العراق حاليا هي: كركوك، أربيل، تلعفر، نينوى، داقوق، طوز خورماتو، كفري، قره تبه، قره خان، خانقين، قزلرباط (السعدية)، شهربان (المقدادية)، المنصورية، داتاوه (خالص) ومندلي، وهذه حقائق لا يستطيع أي عراقي حر وشريف أن ينكرها إلا من باع عرضه وشرفه قبل أن يبيع وطنه وشعبه.

التركمان أناس عرفوا بطيبة القلب وسماحة الطبع وحسن المعاشرة وذكاء ملموس تشهد على ذلك وصولهم إلى المناصب الإدارية المرموقة والمميزة في كثير من الميادين الفنية والطبية والعلمية، إلا المناصب السياسية والحكومية الحساسة ومما لا شك أن ثمة مؤثرات وعوامل وتصورات قادتهم إلى هذا السبيل منها: الانعزال السياسي والاجتماعي، والابتعاد عن الواقعية والتمادي بالانعزالية، والتقوقع الاجتماعي والإتكالية والتعلق بأمل ولو كان هذا الأمل ضئيلاً. أصبحوا لا يتدخلون في كثير من الأمور تدبر من قبل أعدائهم بل ينتظرون إلى أن يحصل شيء حتى يتحركوا، كانوا هم وقود الأحداث وليسوا صانعي الأحداث، وما كانوا يستغلون الأحداث لصالح قضاياهم أو لمصالحهم السياسية والاجتماعية في كلا حقبتين الملكية والجمهورية وخير دليل على ذلك المجازر التي حصلت للتركمان مثل مجزرة كاور باغي في الثلاثينات، ومجزرة كركوك الدامية في ۱٤ تموز ۱٩٥٩م ، كانوا يعلمون بأن أعدائهم يدبرون لهم أمراً بالليل وهم نيام ويتدافقون من كل فجٍ و يرون بأن أعدائهم يشهرون على وجوههم آلات القتل والحبال ويشتمون ويهددون ويتوعدون بأنهم سوف يحتلون مدينتهم عاجلاً أم آجلاً ، بل وحددوا ذكرى مجزرة كاورباغي في ۱۲ تموز نقطة صفر لبدأ مجزرتهم في مدينة كركوك وأشاعوا بين الناس شعارات الكراهية والتمييز، ولكن التركمان كانوا لا يعرفون الغدر وما كانوا يتوقعون من أناس ما غدروا من قبل التركمان سوف يغدرون فيهم مثلما حصلت في مجزرة كركوك التي هي وصمة عار في تاريخ العراق الحديث. والتركمان ما أعدوا شيئاً حتى للدفاع عن أنفسهم ومدينتهم ووجودهم ، بل فرحوا عندما مر يوم ۱۲ تموز بسلام ولم يحصل شيء وظنوا بأن الوعيد والترهيب من أعدائهم ما هي الا أكاذيب وإشاعات بين الناس لصفاء قلوبهم وظنهم الحسن المفرط لغيرهم . وعندما حصلت المجزرة السوداء اندهشوا وتفاجئوا وفقدوا السيطرة على وضع المدينة الى درجة ما استطاعوا أن يعملوا شيئا سوى ترك الساحة أمام الأعداء ليعيثوا بالأرض فساداً ويقتلوا ويسحلوا! أفاضلهم ورؤسائهم ورجال المثقفين ذوي المناصب المرموقة والعوائل المعروفة في المدينة إلى أن مرت ثلاث أيام عجاف وخرج الناس من بيوتهم ومخابئهم عندما جاءت سرية من قبل الحكومة المركزية في بغداد ، وعزلوا السرايا المتمردة من القوميين اللادينيين من بعض أكراد العراق والفوضويين المدسوسين من قبل أعداء العراق وسيطروا على الوضع وعاد إلى ما كان عليه من قبل ولكن التركمان بعظم صدمتهم ما عادوا إلى وضعهم وطبيعتهم مثل ما كانوا عليه قبل بل فقدوا الثقة في كل شيء وبعضهم فكر بترك المدينة وهذا ما كان يخطط به أعدائهم.

سببت المجزرة صدمة عنيفة للتركمان استمرت آثارها حتى زماننا هذا. وسرد المجزرة ذات المآسي المرعبة بشكل المبسط لا يعطي كل مفهومها ولكن كتب التاريخ العراقي دونت تلك المجزرة بأكثر تفاصيلها المقززة. ولكن ما يهمنا في هذا المقام لتقييم التركمان هو بأنهم أناس لا يحبون العنف والقتل بل هم مسالمين إلى درجة مفرطة والدليل على ذلك هو إلى الآن لا يوجد لديهم أية قوة أو مجموعة مسلحة في الساحة العراقية في الداخل أو الخارج ، حتى عندما شكل التركمان (مجموعة الانتقام) بعد مجزرة كركوك بشهور لينتقموا بأنفسهم من قتلة المجزرة بعد أن فقدوا ثقتهم من الحكومة بأن عاقبوهم في محاكم صورية وبالسجن لمدة قصيرة ثم خرجوا إلى مناصب مرموقة في الحكومة، شكلوا هذه المجموعة من أشخاص كانوا معروفين بشدتهم وقوتهم وفتوتهم وأكثرهم كانوا من الجزارين وأصحاب السوابق الذين يحبون التضارب مع الناس!، أما بقية التركمان لا يحبون المشاكل ويتركون الأمر لله بإيمانهم الصادق لله تعالى بأنه هو المنتقم الجبار. كل الحكومات غدروا بالتركمان وخصوصا الجمهوريون والقوميون والبعثيون، وفي أيام النظام الأخير حصدوا رؤساء ونشطاء ومفكرين التركمان فردا فردا وهم جالسون في بيوتهم، وزجّوا آلاف من المثقفين التركمان إلى السجون والمعتقلات وهرب من فر بجلده إلى المهجر.

حتى في المهجر، أغلب التركمان خاصة وأغلب العراقيين عامة تجدهم قد اختزلوا في تلك المجتمعات وانغمسوا في أروقتها ومتاهاتها، بحيث لا تجد منهم إلا قليلا من يحمل هم قضيته ويفكر بجدية بأن يخط خط رجعة إلى بلده ووطنه الذي ولد وترعرع في وافر ظلاله، بل ولا يعلمون أولادهم بأن يحملوا قضيتهم من بعدهم بل أصبحوا لا ينتمون إلى تلك القضية، بل أصبح أولادهم لا يتحدثون بلغتهم الأصلية أو لهجتهم العراقية. وهذا حال أكثر العراقيين في المهجر إلا من رحم رب العالمين، تجد أفراد وجماعات يحاولون بشتى الطرق بأن يلموا شمل الجالية العراقية تحت سقف جمعية أو مركز أو مجموعات إغاثية أو تعليمية وغيرها جاهدين بأن يجعلوا هؤلاء لا ينسون قضيتهم ولو بشيء بسيط ، بأن يجمعوهم باحتفال لمناسبة دينية أو وطنية أو رياضية ، ويوصلوا رسالتهم إلى هذه الجالية المختزلة.

وفوق كل هذا تجد بأن القائمين على تلك الجمعيات والمراكز محاربين من قبل أفراد جاليتهم بأسباب شخصية أو حسدية أو منصبية وغيرها من الأسباب الظروفية لكل بلد من تلك البلدان المهجرية. بل إذا أراد أحدهم بأن يقدم شيئاً ولو بسيطاً يجد من بني جلدته من ينتقده ويستصغره ويشكك في قدرته أو يحاول منعه بحجج واهية ، لذا يترك ذلك الفرد تلك المحاولة اليتيمة ولا ينصح أحدا بأن يحاول محاولته اليائسة ، وتلك هي المصيبة الكبرى في أنفس الناس إلى أن يحرروا أنفسهم منها حتى يستطيعوا أن يحرروا أوطانهم و قضاياهم.

ولهذه الأسباب تأخر التركمان في مسيرتهم الوطنية، وسيبقون تحت إداريات غيرهم من القوميات وربما يختزلون يوما بعد يوم بين تلك القوميات قسرا أو طوعا، إلا إذا أفاقوا من سباتهم وحسبوا حسابهم من جديد وأخذوا الدروس والعبر من الماضي ويعيدوا حساباتهم حسب مقومات الحياة السياسية والدبلوماسية العصرية ويعتمدوا على أنفسهم في ذود عن قضيتهم، وليعلموا بأن قضيتهم لا تكمن إلا بأفراد مخلصين صادقين ومعروفين بين بني جلدتهم، الذين لا يهمهم مصالح أنفسهم ولا مناصب ومراتب ولا شهرة ولا أن يبيعوا قضيتهم في محافل سوق سياسة السوداء بمصالح بلدان أخرى ولا أن يتنازلوا بأبسط شيء من حقوق شعبهم أو يتراجعوا من مبادئهم الوطنية التي وضعها أجدادهم في حــق تقرير مصيرهم.

حتى نكون واقعيين أكثر في تقييمنا، ندعو الشعب العراقي عامة والتركمان خاصة إلى رص الصفوف ولم الشمل وتوحيد الكلمة فيما بينهم، والابتعاد عن الدعوات القومية الباطلة والاستفزازية والتركيز على إعادة الناس إلى فهم قضيتهم الأصلية، واتخاذ الحيطة والحذر من تدبيرات أعداء العراق الحر في إشعال نار الفتن بين العراقيين، فالعراق الحر الموحد للعراقيين ومن يحبهم ولا فضل لعربي على كردي وعلى تركماني إلا بتقوى الله تعالى، وكلنا من آدم وآدم خلق من تراب، والتراب جزء من هذا الكوكب الذي خلقه الله للبشر أجمعين، ليتعارفوا فيما بينهم وليتقاسموا مواردها وثرواتها الطبيعية، والعراقيون جزء من هذه الأرض التي هي من الكواكب السيارة حول الشمس في فضاء هذا البديع العظيم ... الكون.


حقوق التركمان بين النظرية والتطبيق في الاعلانين العالمي والاسلامي

نورالدين موصللو


القسم الاول
عندما نطالع كلا الاعلانين، الاعلان العالمي لحقوق الانسان ١٩٤٨م بمواده البالغة (۳۰) مادة، والاعلان الاسلامي لحقوق الانسان ١٩٨٩م وتعداد مواده (۲٥) مادة.ورغم اختلافهما مع بعضهما في بعض المواد الا انهما جاءا لخدمة الانسان دون تمييز من حيث القومية والدين واللغة والجنس واللون والشكل او الانتماء العرقي والمذهبي،وتناولا كل جزئيات المجتمعات الانسانية المتحضرة في اطار يعد الانسان هو الهدف والغاية بالسعي نحو حمايته وتوفير الرعاية والامان والعيش الرغيد له في ظل سلام وامن دائمين ينعم بخيرات بلاده اينما وجد مقرونا بضمان حقوقه وامتيازاته العامة والخاصة وتامينها منذ لحظة تشكيلته الاولى في رحم الام وحتى طعنه بسنين العمر، ولم يتركا صغيرة ولا كبيرة الا وتناولاها استنادا على شرائع السماء والقوانين الوضعية.

ولو قرانا بنود الاعلانين بامعان وبحثنا مجموع موادهما البالغة (٥٥) مادة مع فقراتهما التي تفوق (٧۰) فقرة لانجد اية اشارة فيها الى حجم التجمعات البشرية (تعداد السكان) قوميا كان او دينيا، مذهبيا كان او طائفيا مما يؤدي الى انعدام فكرة الاقلية او الاكثرية ولا ذكرا لحيز المساحة (الارض) المشغولة من قبلهم.وهذا يعني ان اقامة أي وزن لعدد سكان النفوس والارض التي يشغلها لم يلقيا اهتماما لدى واضعي بنود لائحة الاعلانين العالميين على اعتبار الانسان انسان اينما كان وان ارض الله واسعة يسعى في مناكبها. الا ان العيب الوحيد الذي يعد نقصا فيهما ويقلل من شانهما وتاثيرهما في التطبيق الفعلي لهما هو عدم وجود نص يلزم الموقعين عليها على الالتزام وتنفيذ ما ورد فيهما ليست كوثيقة دولية فحسب بل معاهدة مبرمة بين الاطراف الدولية تضعها تحت طائل المسائلة والمحاسبة حال تجاوزها او عدم الالتزام بها وفق القوانين الدولية.

لذا جاءت التجاوزات خاصة على انسان وحقوقه وعامة على الشعوب كاملة من قبل الانظمة المتسلطة على رقاب تلك الشعوب كيفما تشاء ومثلما يحلو لها في ظل غياب جميع انواع الوازع الانساني والديني والقانوني امامها حتى تسيد الظلم واشتط الجبروت عندها وتحول الى دكتاتورية متسلطة، وما اكثر نماذج الدول والشعوب التي تعيش التجاوزات في بلدانها وحكوماتها تتبجح بالمساواة والعدالة تارة وتتشدق بالديمقراطية وحقوق الانسان تارة اخرى على الرغم من ان دساتير تلك البلدان تضمنت بعض معاني فقرات مواد الاعلانين الا اننا نجدها قد فرغت او ربما جردت من فحواها عند التزام الجهة المشرعة لها في التطبيق.

ان الحديث عن الانتهاكات والخروقات التي تقع يوميا على حقوق الانسان في عالم اليوم تاخذ اشكالا وصورا مختلفة متنوعة (يصعب حصرها لخصوصية كل منها) ثم تتفرع ضمن المساحة السياسية داخل الخطوط الحمراء لهذه الدولة او تلك حسب فروض مقتضى الواقع المخطط لها من قبل قيادة الجهاز السياسي والاداري للنظام وتحت ستار سيادة الدولة على ارضها وشعبها، واستقلالية قراراتها في تسيير امورها وعدم السماح او بالاحرى عدم جواز التدخل في شؤونها الداخلية مهما كانت، وذرائع اخرى تقف حائلة دون وضع حد لعمليات الصهر، التمييز، القهر، الاضطهاد، الاستعباد، التعسف، التهجير، القمع، …والخ اخره من الحالات المنافية لابسط مقومات حقوق الانسان مع ان المادة الثانية فقرة ب من الاعلان العالمي او من لائحة حقوق الانسان نصت على (بالاضافة لما سبق فانه لن يتم أي تمايز يبتني عل الوضع السياسي او الاداري او القضائي او الدولي للبلد او الارض التي ينتسب اليها الشخص، سواء اكان هذا البلد مستقلا او تحت الحماية او لايملك حكما ذاتيا او كانت حاكميته محدودة بشكل من الاشكال)… ثم تستمر الحكومات في استبدادها وغيها …وتستمر معها معاناة الشعوب وتظل اعلام المنظمات العالمية المتخصصة والمعنية بالشؤون الانسانية … منظمة حقوق الانسان واتحاداتها وجمعياتها، منظمة العفو الدولي،منظمتي اليونسكو واليونسيف، وجمعية الهلال الاحمر الدولي وفروعها … الخ ترفرف في عنان السماء دون ان تسمع اصوات الانين والونين المنادية لها وما اكثر تلك الاصوات في ارجاء المعمورة جراء ما يجري فيها، وواحدة من تلك الاصوات المدوية تعود للتركمان لما لاقوا من الجور والظلم مذ ان وقفوا بوجه الاستعمار ومخططاته مع اخوانهم العراقيين وتحديدا بعد ان اصبح العراق عضو في عصبة الاممم ثم منظمة الامم المتحدة ومن خلال حقب انظمة الحكم المتعاقبة في العهدين الملكي والجمهوري مع الاخذ بنظر الاعتبار تفاوت درجة عدم احترام حقوق التركمان خلال زمن فترات التاريخ قياسا ومقارنة مع مقتطفات من بنود لوائح حقوق الانسان العالمي اولا والاسلامي ثانيا:-

مع ان المادة الثانية فقرة (ا) تجيز بالنص التمتع بكل الحقوق والحريات المذكورة في الاعلان الا اننا نجد التركمان محرومون من تلك الحقوق والحريات (القومية، السياسية، اللغة، محل الولادة) مثلما اخوانهم الاخرين في الوطن يشترك معهم في نلك الخروقات والتجاوزات مع اضافة عنصر واكثر من الحرمان في الحقوق والحريات.

المادة الخامسة تمنع التعذيب والمعاملة القاسية والعقاب المتشدد وما نجده ونلاحظه انما يعيشه المواطن العراقي بما فيهم التركمان عكس ذلك، فكم من المسجونين والمعتقلين التركمان لقوا حتفهم تحت طائل التعذيب اذكر منهم المرحوم الدكتور رضا دميرجى والمرحوم حسين علي موسى.

المادتين (٦و٧) لايمكن الحديث عنهما ازاء تمتع التركمان وباقي القوميات بهما بسبب غيابهما اساسا من حياة العراقيين.
لقد نصت المادة (٨) من الاعلان العالمي لحقوق الانسان على (لكل شخص الحق في اللجوء الفعال الى المحاكم الوطنية لانصافه من الاعمال التي يتم فيها الاعتداء على الحقوق الاساسية التي يقررها الدستور او أي قانون اخر).
من اجل هضم المعاني الواردة في النص لابد لنا ان نتعرف على مصطلح (الحقوق الاساسية) التي تتفاوت حالات التمتع بها في مجتمع يسوده التعدد الديني والقومي والطائفي والمذهبي كالمجتمع العراقي، ومن هذه الحقوق حق الحياة، التدين، المساواة، الاعتقاد، التفكير، التعبير، حق الزواج وتكوين الاسرة والانتساب الى الابوين والى القوم والوطن والدولة (التجنس)،التربية والتعليم، العمل والضمان الاجتماعي، حق التنقل والاقامة في اطار البلد، الحق الثقافي، الحقوق الشخصية في حمابة النسل والعرق والنسب وعدم السماح بالتجاوز عليها، حق اقرار الملكية الفردية وتحريم المصادرة … الخ من تلك الحقوق التي تنحصر بين الطبيعية والمكتسبة، الا ان الاعتداءات طالت التركمان في كركوك والمناطق التركمانية في اغلبها لتصبح حصته منها حصة الاسد وما حرمانه من حق التعليم بلغته الام، وعدم السماح له بحرية التنقل والاقامة في وطنه، ثم المصادرات التي شملت ممتلكاته المنقولة والغير المنقولة حتى لو كانت ارثا استقر له من اسلافه، اضافة الى تغيير العرق القومي وعدم السماح بكتابة الالقاب التركمانية في البطاقات الشخصية بهدف تعريبهم تحت ظروف قاهرة تنفذ معضمها بقرارات وتعليمات واوامر صادرة من السلطات العليا الا دليل فاضح لتلك الاعتداءات والخروقات على الحقوق الاسياسية للتركمان. اين هي المحاكم الوطنية بحيث يمكن الالتجاء اليها لانصافهم ودفع المظالم عنهم … ؟.

القسم الثاني
هناك علاقة صميمية بين المادة ((١۲والمادة (٨) الانفة الذكر كونها تتعلق بالحياة الشخصية والعائلية ومحل الاقامة حيث نصت على (يجب ان لا تتعرض الحياة الشخصية والشؤون العائلية ومحل الاقامة او المكاتبات لاي تدخل، ولا يتعرض شرفه وسمعته لاي هجوم، ولكل شخص الحق في التمتع بحماية القانون في قبال مثل هذه الانماط من التدخل والهجوم) والسؤال هنا … اذا كان القانون معطلا امام هكذا حالات ويجيز الهجوم والتدخل فكيف يمكن الاحتماء به …؟

وان التدخل القسري التي تعرض له التركمان، ثم تهديد ومسالة الجهات الامنية للعوائل التركمانية بتهمة ان ابنائهم في الخارج، اضافة الى محاربتهم في كسب العيش سواء كان عن طريق تضييق الخناق عليهم في ممارسة الاعمال الحرة في المحلات التي تعود ملكيتها للدولة ومنعهم من المشاركة في المزايدة عليها بغية عدم اعادة تاجيرها مرة اخرى من قبل المشاركين التركمان، او عدم توظيفهم في دوائر الدولة.كل هذه الممارسات المنافية لحقوق الانسان خير معوان وشاهد على التعرضات والتدخلات في الشؤون الخاصة للانسان التركماني بل والانسان الكردي والاشوري، ويمكن تثبيتها بالجرم المشهود وفق المستمسكات والكتب الرسمية الصادرة من الجهات ذات العلاقة ومنها كتاب (وزارة الداخلية / محافظة التاميم – المكتب الخاص.سري ذي العدد ٨/۳٧٧۲١۳في ١٤/۲۰۰۰ …(اسستنادا الى التوجيهات المركزي والصلاحيات المخولة لنا من وزارة الداخلية الشؤون الامنية واقتراح مجلس الشعب المحلي لمحافظة التاميم اصدرنا التعليمات التالية:-

يمنع منعا باتا تاجير محطات تعبئة الوقود الى المواطنين الغير العرب – الكرد والتركمان – ويشمل المحطات الداخلية والمحطات على الطرق الخارجية وفي كافة الاقضية والنواحي المتعاقدون من الكرد والتركمان قبل صدور التعليمات يستمرون لغاية انهاء عقودهم الفقرة اولا يشمل وكلاء بيع الغاز بالجملة لايعمل بكتاب تصحيح القومية) …

وكذلك الكتاب الصادر من الشؤون القانونية التابعة لنفس جهة الاصدار المرقم (٩٥٧ في ٧/۲/۲۰۰۰) والموجهة الى غرفة تجارة وصناعة التاميم والذي نص على خصوصية مزاولة التجارة حصرا على ابناء القومية العربية – المتمييزن- وفق الشروط الخاصة.اضافة الى كتاب مجلس الوزراء / وزارة التجارة – الشؤون الامنية – ذي العدد ۲١٧في ١٨/١/۲۰۰۰ والذي جاء فيه تنفيذا لتوجيهات مكتب ديوان الرئاسة المرقم ١۳١٤ في ٩/١/۲۰۰۰ اصدرنا التعليمات التالية وبموجبه يمنع المواطنين العراقيين الغير العرب مزاولة ما يلي:-

استيراد وشراء وبيع وايجار واستئجار وسائل النقل المختلفة الخاصة والتي تدخل القطر بعد ١/۳/۲۰۰

ممارسة الاعمال التجارية الخارجية على خطوط دول الجوار.

امتلاك الاموال المنقولة والغير المنقولة ومختلف المكائن والعدد ووسائل النقل التي تدخل القطر بعد ١/۳/۲۰۰۰

تشييد الابنية والمخازن والمنشات المختلفة

المشاركة في المناقصات والمزايدات والدخول في مختلف التعهدات مع سائر القطاعات المالية والاقتصادية العراقية والاجنبية.

ان الفقرة (أ) ونصها (لكل شخص الحق التردد داخل أي قطر واختيار محل اقامته) والفقرة (ب) ونصها (لكل شخص الحق في ترك أي قطر – ومن ذلك قطره- او العودة اليه) من المادة (١۳) لايمكن الحديث عنهما باي حال من الاحوال لسبب بسيط يكمن في عدم جواز حق اختيار محل الاقامة للعراقيين عامة والتركمان خاصة باستثناء المنطقة الجنوبية.

اما ترك القطر والعودة اليه لايعد حقا لاي عراقي بضمنهم التركمان الذين لايستطيعون اصلا العودة الى مناطق اقامتهم الدائمة في السابق وحتى القاطنين في الملاذ الامن ضمن ارض العراق لايتمكنون من العودة الى اهليهم و وذويهم فكيف من كان خارج العراق.

القسم الثالث
(لكل شخص الحق في البحث عن مأوى له تجاه المتابعة والتعذيب والاذى واللجوء الى الاقطار الاخرى)

كانت هذه الفقرة (أ) من المادة (١٤) ومعها نقف امام واقع مرير لم يفرق بين العراقيين في استلام نصيبهم من الاذى الاجتماعي النفسي والمعنوي مع اضافة الاذى السياسي والاقتصادي على نصيب التركمان. ففي كل عائلة عراقية زرعت شجرة تحمل نوعا من الاذى التي لحقت بها منذ عقود، ومع تقاسم انواع الاذى اليومي تحول الى عذاب مقيم بينهم واصبح البلد في وضع طارد لابنائه حتى فاق عدد العراقيين في المهجر الاربعة ملايين.

ومن الطبيعي ان يصيب التركمان القسط الوافر من ذلك الاذى بحكم رداء سياسة الصهر القومي الذي البسه النظام لمدينة كركوك والمناطق التركمانية الاخرى، واصبح البحث عن المأوى امرا صعبا امام اذى اجهزة السلطة الامنية –ومن ابسط صور ذلك مصادرة الممتلكات بتهمة الهروب الى الخارج- والاوضاع الاقتصادية المتردية التي لاتسمح تحمل التكاليف الباهضة بحثا عن اللجوء الى الاقطار الاخرى. الفقرتين (أ، ب) من المادة (١٧) لانجد لهما من الوجود شيء، وان التركمان محرومون من التمتع بها وممنوعين من امتلاك الاراضي يخيالزراعية والسكنية ودرو السكن والعقارات، ويمتد ذلك المنع على الورثة من حق التصرف بما ورثوه دون تحويل الملكية وتسجيلها باسمائهم عدا حالات البيع للغير. اما اساب التجريد (الحجز والمصادرة) من الملكية وحرمانهم من حق التملك يمكن حصرها كونهم تركمان اولا واسباب سياسية يختلقها النظام كيفما يشاء ثانيا. ونصوص الفقرتين هي على التوالي (لكل شخص حق التملك مفردا او بشكل جماعي) (لايمكن حرمان أي احد دون سبب من حق الملكية) الفقرة (أ) من المادتين (٢۰، ٢١) على التوالي (لكل شخص الحق في تشكيل الاجتماعات والجمعيات السلمية بكل حرية) و(لكل شخص الحق في المشاركة في الادراة العامة لقطره سواء بشكل مباشر او بواسطة مندوبين ينتخبهم بكل حرية) ان تطبيق كلا الفقرتين يتطلب شرطا اساسيا في تحقيقهما ذلك هو الانتماء الى تنظيمات الحزب الحاكم وبدون أي خيار اخر، وهنا تنعدم مفهوم (بكل حرية) في نهاية الفقرتين، لذا لانجد أي تجمعات او جمعيات تركمانية في كركوك والمناطق التركمانية الاخرى كما لانجد حق المشاركة للتركمان في الادارة العامة.

من حق كل انسان (حق الامن الاجتماعي) الذي تذكره المادة (٢٢) والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي لاغنى عنها لكرامته وحرية نموه وتكامله الشخصي الممكن حصول عليها بالمساعي الوطنية او بالتعاون الدولي بمقتضى تمتع شخص الانسان بها يتفق مع نظم كل قطر مع مراعاة للتشكيلات الداخلية ومصادره. ومع توفر الموارد الطبيعية المتاحة في العراق وبما انعمها الله عليه من الخيرات لخدمة انسانه على طول مساحة الارض وعرضها كي يعيش في مأمن اقتصادي في ظل حياة اجتماعية مستقرة ينهل من التربية والتعليم والثقافة بما يجعله مؤهلا لتحمل المسؤوليات بعد البناء الصحيح له وبما وفرتها الدولة من المصادر سواء في باطن ارضها او عليها قلما نجدها في مثيلاتها من الدول كان المفروض تسخيرها لتحقيق التنمية والتطور نحو الافضل في خلق مجتمع يرقى بمستوى المجتمعات المتقدمة لضمان الاجتماعي والاقتصادي والثقافي لافراده او لمواطنيه. ويكفي ان يخترق ارضها نهران (دجلة والفرات) من شماله الى جنوبه لطالما قامت على ضفافيهما تلك الحضارات العريقة، ولو القينا نظرة على خارطة العالم لانقف عند دولة يجري فيها نهران تغطي مساحتها من الشمال الى الجنوب.

هذا هو حال عموم العراق … اما في كركوك ورغم انها من كبريات المدن الغنية بالبترول في العالم الا ان ما يبعث الالم حرمان اهلها من كافة نواحي رعاية الدولة لها ولو بجزء من مواردها الذاتية، وذلك كون غالبية سكانها من التركمان، وهكذا ينسحب هذا التقصير على فقدان الامن الاجتماعي والاقتصادي والثقافي القاطنين فيها بما فيهم التركمان الذين يشكلون غالبية عدد النفوس بل ويمتد اليهم وعليهم في منطقة الاملاذ الامن عندما اجتاحت قوات النظام مدينة اربيل عام ١٩٩٦ مخلفة ورائها القتل والنهب والاسر في صفوف احزاب وتشكيلات المعارضة وكذلك بين عوام الناس، وكان للتركمان النصيب الكبير من ذلك فمن لم يتمكن النجاة بنفسه بعد عدم جدوى المقاومة كان مصيره القتل او الاعتقال وقد تجاوز عددهم (٢۰۰) شخصا لايزال قسما منهم مجهول المصير ومنهم من يقبع في سجون النظام رغم قرار العفو الاخير. فاين هي حقوق الامن الاجتماعي …؟ واين هي حماية هذا الامن من قبل مصادر الدولة …؟

الانكى من ذلك ان تلك المصادر طالما استخدمت لضرب مصالح الشعب مهددة امنه الاجتماعي والاقتصادي وفي اكثر من مرة في الماضي القريب والبعيد، ففي حوادث المجزرة التي وقعت في كركوك ١٩٥٩ كانت المؤسسة العسكرية الة لضرب التركمان بدلا من حمايته، فقد ساهمت لواء المشاة الرابع في قصف القلعة بما فيها بيوت الاهالي بالاسلحة الثقيلة وكذلك دور وصالات السينما في كركوك، وحتى في منطقة الملاذ الامن التي استحدثت بقرار دولي وحماية دولية لايتمتع التركمان بالامن الاجتماعي والاقتصادي والثقافي بالشكل الذي يحمل القرار من المعاني، وان حوداث ١٩٩٨ و٢۰۰۰ وغيرها من الحالات تؤكد التجاوز على حقوق الامن الاجتماعي للتركمان.

القسم الرابع
اما اذا قرانا المادة (٢۳) بفقراتها الاربعة لانعثر بين ثنايا حروف كلماتها الا فتات من بعض التطبيقات لها وهي طبيعية وجزئية اصلا تعكس وضعية الحروف المبعثرة او الكلمات المتقاطعة التي تفقد جميع معانيها امام اية محاولة فاشلة في حلها او جمعها نتيجة ضياع بعض الحروف وسقوط بعض الكلمات منها مما ترك مردوداتها على المجتمع العراقي عامة، ولما كان التركمان جزءا منه فحتما يصيبه مايصيب اخوانه في الوطن باضافة قيد آخر عليهم عند طلب التعين في بعض الوظائف او العمل في المؤسسات الدولة ذلك هو اثبات عدم تركمانيتهم. وما اكثر الكتب الرسمية والاوامر الادارية الصادرة من الجهات الامنية برفض او عدم الموافقة على طلبات العمل او التوظيف لانهم تركمان ليت الامر يقف عند هذا الحد بل وصل الى احالتهم على التقاعد دون مراعاة شروط قانون الخدمة والقاعد وخصوصا العاملين في مؤسسات ودوائر وزارة النفط وبموجب قرار مجلس قيادة الثورة المرقم (٧٦ في ٧/١/٢۰۰١)

وهكذا تصبح مضامين الفقرات الاربعة (حق العمل، حق الحماية من العطالة، حق تامين حياة الفرد وعائلته بالعمل، حق المطالبة باجر مساولقاء الاعمال المساوية، وغيرها من حقوق العمل وكسب العيش) في خبر كان مما دفع حملة الشهادات من خريجي الكليات الى العمل بصفة باعة متجولين واضطروا الموظفين الى العمل خارج ساعات الدوام الرسمي على حساب صحتهم وراحتهم تلبية لمتطلبات الحياة والاحتياجات المعيشية.

وقد تضمن التقرير السنوي لمؤسسة (مراقبة حقوق الانسان) لعام ٢۰۰۰ ما نصه … (ان اكثر من ٨۰% من مجموع الشعب العراقي يعيشون حاليا في مستوى خط الفقر) ازاء هكذا اوضاع تفرغ المواد (٢٤، ٢٥) من معانيها حيث لايجد العراقي متسعا من الوقت للراحة والاستجمام والتمتع بالاجازات الرسمية كما ينبغي طالما يواصل سعيه وراء تامين ابسط ديمومات الحياة من الماكل والمسكن والملبس.

اما بخصوص المادة (٢٦) فانها كانت تطبق حتى عام ١٩۳٢قبل صدورها ضمن لائحة الاعلان العالمي في عام ١٩٤٨، تلك المادة التي تتعلق بحق التربية والتعليم في جميع مراحلها بما فيها التعليم الجامعي المقرون بحق الابوين في اختيار نوع التربية والتعليم لابنائهم منذ مراحلها الاولى وفتح التعليم العالي بظروف متساوية تماما امام الجميع وعلى اساس الكفاءة.

ان هذه الحقوق غير متوفرة للتركمان رغم انهم يعدون ثالث قومية في العراق ويفوق تعداد نفوسهم ٢.٥ مليون نسمة مع الاخذ بالحسبان قرار (٨٩) في ١٤/١/١٩٧٥ لا يزال قائما مع وقف التنفيذ والذي لم يلغى لحد الان حيث نص على تمتع التركمان بكافة حقوقهم في مجال التربية والتعليم والثقافة والاعلام. وامام الاقدام الواسع والرغبة الجامحة في تطبيق ما مدون على الورق من بنود القرار السبعة وتحويلها منذ لحظة الاقرار بها الى حقيقة ملموسة باقامة صروح المراكز الثقافية للتركمان الى جانب مئات المدارس التركمانية في كركوك والمناطق التركمانية الاخرى بدات الحكومة تتنصل من الاستمرار في تطبيق محتوى القرار وتُضرب المادة المذكورة اعلاه من العهد العالمي لحقوق الانسان عرض الحائط. هكذا ذهبت الجهود والمساعي المبذولة من قبل اللجان التي تشكلت لهذا الغرض ضمت خيرة الاستاذة الاختصاصين ومالمهتمين بالشؤون التربوية هباءً منثوراً ومعها ماتت الامال والاحلام عند الشعب التركماني بمصل قاتل لتعود الحالة الى ما كانت عليها في ١٩۳٢ بعد ان تعرض اغلب جيل تلك الفترة الى الفشل والضياع وخصوصا تلاميذ الصف الثالث عندما تم تحويلهم الى الدراسة العربية بعد الغاء المدارس التركمانية، ثم جاء الرد عنيفاً فقد تصدى التركمان لهذه الاجراءات التعسفية بالاضراب والاحتجاج التي عمت المدن والمناطق التركمانية الا انها قمعت بالحديد والنار. ومع ولادة القرار ٦٨٨ في نيسان ١٩٩١ واعلان خط ۳٦ شمالاً منطقة الملاذ الامن لجميع القاطنين فيها ولدت الامال لدى سكان المنطقة التركمان وعملوا على اقامة مؤسساتهم التربوية وفتح المدارس التركمانية والتعلم بلغة الام رغم العقبات ومحاولات افشال المسيرة والتي لازالت مستمرة بفضل الجهود الخيرين متجاوزةً كل المشاكل والمعاناة التي تعتريها.

القسم الخامس
عندما نطالع المادة (٢٧) المتعلقة بالثقافة والفنون وحرية التمتع بها وادامتها لانجد لها الا ما ينافي الواقع، اذ ليس للتركمان مراكز او تجمعات او منتديات ثقافية فنية اجتماعية خاصة بهم وليس لهم الحق في تاسيس فرق مسرحية او موسيقية بل محرم عليهم اية نشاطات ثقافية فنية واجتماعية حتى اقامة المناقب النبوية لايمكن اقامتها الا بعد استحصال الموافقات الرسمية من الجهات الامنية. ازاء هذه الاجراءات الهادفة الى طمس الهوية التركمانية وتصفية وجوده تصبح المادة (٢٨) لا اثر لها نهائيا في قاموس حقوق الانسان عامة والانسان التركماني خاصة وهي تنص مع الاسف على (لكل فرد الحق في تامين النظام الذي يحقق من الوجهة الاجتماعية والدولية الحقوق والحريات المذكورة في هذا الاعلان ويطبقه في حياته. والسؤال….. أين وكيف هي حياة الانسان في المجتمع العراقي… ؟ والتركمان جزء من ذلك المجتمع ومن تلك الحياة المشتركة التي عاشها ويعيشها مع اخوانه العراقيين بين ويلات الحروب وانين الحصار، علاوةً لهما يتعرض الى الترحيل والقمع والاضطهاد والصهر القومي ويُسلب من ادنى حقوقه الانسانية مما نضطر الى شطب المادة (٢٩) بفقراتها الثلاثة من حياة التركمان كونها تصب في اتجاه لايلتقي فيها الواقع وومعاني سطور المادة التي جاءت من اجل رعاية مقتضيات الاخلاقية الصحيحة والنظام العام والرفاه الاجتماعي الشامل في اطار مجتمع ديمقراطي.

واخيرا مع نص المادة (۳۰) ومضمونها القائل (لايمكن تفسير أي من مقررات هذا الاعلان بشكل يتضمن حقا لحكومة او مجموعة او فرد يستطيع بموجبه ان يسلب الحقوق والحريات المتضمنة في هذا الاعلان او بغيرها)

ويكفي ان نقول ان الحقوق والحريات المتضمنة في هذا الاعلان مسلوبة اساسا من التركمان ويعاملون معاملة مواطنين من الدرجة الخامسة وربما العاشرة.

ان في مسألة (تصحيح القومية) المنافية لجميع القيم والاعراف والقوانين السماوية والوضعية بما فيها لائحة اعلان العالمي لحقوق الانسان شاهد ودليل على عنصرية الاجراءات المتخذة ضد التركمان في المناطق التركمانية عموما وكركوك خصوصا معتبرا اياهم قومية غير شرعية، والا لماذا عملية تصحيح القومية….. ؟

حتى الذين انصاعوا لمهزلة التصحيح مجبرين نراهم جُردوا من حقوقهم ومُنعوا منها فيما بعد بموجب اوامر وتوجيهات رسمية من جهات عليا على اعتبارهم ينتمون الى اصول تركمانية، وهذا يعني:-

عدم مصداقية الاجراءات التي برهنت على فشلها وافقدت الثقة بها.

مدى الحقد الدفين من أُولي الامر المحتكرين للسلطة للقومية التركمانية.
ان عملية تصحيح القومية ماكانت الا حبرا على الورق، وانها لم تاتي ثمارها كما توخت السلطة منها. وقد اشار الى ذلك الاستاذ جهاد الحيدري في دراسته الموسومة (التركمان في العراق…اسقاطات الايدولوجية وتداعيات المنهج السياسي لنظام صدام) المنشورة في العدد التاسع عشر ٢۰۰١ من مجلة دراسات عراقية قائلاً …. ان كلمة (تصحيح) بحد ذاتها انتهاك صارخ لحقوق الانسان التركماني ومخالف لكل القيم السماوية والوضعية حين يعتبر النظام القومية التركمانية والكردية غير صالحة ومرفوضة بحاجة الى تصحيح في سابقة فريدة في تاريخ الدول والشعوب.

ولا يخفى ما جاء من التاكيد على لسان مسؤولين في القيادة العراقية اثناء زياراتهم الى كركوك على حتمية صهر التركمان والقضاء عليهم وعلى اثارهم منها:-

ضرورة تخيير التركمان والاكراد فيها بتغيير قوميتهم الى العربية او الرحيل من المحافظة. صهر الوجود التركماني في كركوك والقضاء على اثارهم فيها يحتاج الى ٢۰-٢٥ سنة. اضفاء الطابع العربي على المدينة.

القيادة العراقية لن تسمح بتداخل القوميات في كركوك التي يجب ان تصبح عربية صافية حقوق التركمان بين النظريه و التطبيق في الاعلانين العالمي والاسلامي.

القسم السادس
مع نهاية قراءتنا للمادة (۳۰) من الاعلان العالمي لحقوق الانسان تنتهي هذه المحاولة البسيطة التي تم التطرق فيها الى بعض من مواد الاعلان بصورة سريعة وخاطفة وهي بينمطرقة فكر النظرية وسندان التطبيق الفعلي والتركمان يتجرعون كوكتيل من الخروقات والتجاوزات على حقوقهم. اذا كانت تجارب الواقع المرير التي عاشته الشعوب في اوروبا خلال مراحل الماضي السحيق في العصور الوسطى في فترات الرق والعبودية والاقطاع نتجية غير مباشرة فان الماسي والويلات والدمار وضياع القيم بما فيها قيم الاداب والاخلاق في الحربين العالميتين كانت السبب المباشر والدافع الحقيقي لصدور الاعلان العالمي لحقوق الانسان على امل اقامة مجتمعات مبنية على اسس متينة من الديمقراطية والمساواة العدالة والتعايش السلمي يضمن حقوق الانسان ايا كان واينما كان في الزمن والمساحة، لذا كانت طموحات الشعوب اكبر من معاني الكلمات التي وردت في متون فقرات الاعلان، تلك الطموحات التي لازالت تنتظر التطبيق الحقيقي والتنفيذ الصادق لمواد الاعلان من قبل الانظمة والحكومات السالبة لحقوق شعوبها وكأن الماء والهواء فقط مادة الحياة التي انجبت الحضارات وسجلت التواريخ بدون عناصر الادامة الاخرى لها وفعالياتها التي تعطي معنى للحياة الانسانية وتمنحها المكانة والمنزلة المرموقة في المجتمع الذي يعيش فيه في ظل مفاهيم (جملة الحقوق) التي احتواها الاعلان العالمي لحقوق الانسان. مثلما من حق الشعو ب المطالبة بوضع حد لتلك الانتهاكات على حقوقها فان من حق التركمان مع اخوانه العراقيين مهضومي الحقوق المطالبة بل والدفاع عنها بالطرق المشروعة وفق مضامين حق الدفاع عن الحقوق.

الجدير بالاشارة ان الانتهاكات الصارخة على حقوق التركمان تتوسع يوما بعد يوم متجاوزة عتبة كل الحدود الانسانية تقترن بخصوصية معينة لانها مورست بحقه في سياق سياسات خاصة انتهجتها الانظمة المتعاقبة حتى وصلت اوجها في العقدين الاخيرين من القرن الماضي خارقة بذلك ليس فقط المعنى والاصطلاح الوارد في الاعلان العالمي لحقوق الانسان انما الاعلان الاسلامي لحقوق الانسان ايضا بمواده البالغة ٢٥ مادة المستقاة من وحي اسمى الشرائع السماوية اساس لبنتها خاتم الاديان. عند التفاعل معها تسد الثغرات وتتلاشى السلبيات المناقضة لحقوق الانسان في طول وعرض الزمان والمكان انعتاقا من الاستبداد والطغيان وهي تكبح جماح كل ما يتنافى مع المبادئ الانسانية من … مسخ هوية الانسان وطمس كيانه ووجوده في قارورة الصهر والابادة والقتل الجماعي واجباره الى تغيير اصوله العرقية مع عدم السماح لذلك الانسان امتلاك ولو سقف ياويه ومحاربته في كسب الرزق … و … و …الخ من التجاوزات السياسية والثقافية والاجتماعية والتعاملات القاسية التي تعمل على اجهاد النفس البشرية وتزرع فيها الحقد والكراهية ازاء النظام وبالتالي تزحزح روح التكامل الوطني بين عناصر القوميات وتهدد تماسكه.
مما سبق احدى جوانب معاناة التركمان ومن اجل الوقوف على ما يتعرضون لها من الظلم والاضطهاد الذين ترفضهما قيم ومبادئ السماء في دولة دينها الرسمي الاسلام نتصفح الاعلان الاسلامي لحقوق الانسان: الفقرة (أ) من المادة الاولى تنص على (البشر جميعا اسرة واحدة جمعت بينهم العبودية لله والبنوة لادم، وجميع الناس متساوون في اصل الكرامة الانسانية وفي اصل التكليف والمسؤولية، دون تمييز بسبب العرق او اللون او اللغة او الجنس او المعتقد الديني او الانتماء السياسي او الوضع الاجتماعي او غير ذلك من الاعتبارات، وان العقيدة الصحيحة هي الضمان لنمو هذه الكرامة على طريق تكامل الانسان) المعنى الصريح واضح وضوح المستقيم مع المنحى عند المقارنة بينهما وبين الواقع الذي يعيشه التركمان في كركوك الهدف والمناطق التركمانية الاخرى المستهدفة في الوقوف حجر عثرة على طريق تكامل الانسان التركماني بشتى الطرق والاساليب المتعارضة مع روح النص اعلاه.

التمييز الذي يتعرض له التركمان تعكس الصفحات السوداء لتلك الممارسات العنصرية ضده في تقاطع مع الفقرة المعلنة في شتى صورها، القصد منها ليس الحاق الاذى بهم فحسب انما وضع نهاية لهم في المديات البعيدة خلال الخطط الموضوعة تخدم اهداف الاغراض المتوخاة منها واسباغ الشرعية عليها بالقرارت والاوامر الرسمية الصادرة من السلطات العليا لتنزل كالسيف على رقاب التركمان من غير اي اعتبار لعبارات المادة الاولى من الاعلان الاسلامي لحقوق الانسان وتصبح كفة ميزان التمييز العرقي واللغوي والسياسي والاجتماعي ارجح على كفة جميع الناس متساوون في اصل الكرامة الانسانية. وبالعودة الى مضمون الكتب الرسمية تحت عناوين (تعليمات، تعليمات خاصة، توجيهات) نتوقف عند حقائق ربما كانت خافية او غير واضحة الصورة بعد ان تعرضت الاخيرة للتشويهات، ومن نماذج تلك الكتب الرسمية نذكر على سبيل المثال ما يلي:

١- كتاب وزارة الداخلية المرقم ١٤٤۳٢ في١۳/٨ / ١٩٩٩ المتضمن شطب الالقاب التركمانية من سجلات الاحوال المدنية وعدم تدوينها في البطاقات الشخصية عدا العربية.
٢- نقل وابعاد الموظفين بدرجة مدير عام ومدير ورؤساء الاقسام من التركمان، وعدم تعيين التركمان في وظائف الدولة الرسمية وغير الرسمية في حدود محافظة التاميم بموجب كتاب مكتب امانة سر القطر المرقم ٨۰١٧ في ٥/٧/١٩٩٩.
۳ - الشؤون الداخلية/ محافظة التاميم، خطة الترحيل للفترة من١/١/١٩٩٥ الى ١۳/١٢/١٩٩٩ الصادر تحت رقم ٧١۳ في ٢٢/٢/٢۰۰۰.
٤- في ٧/٦/٢۰۰۰ صدر الكتاب المرقم ٨٤٦٩ من ديوان الرئاسة يتضمن توجيهات خاصة عن الترحيل.
٥- بناءا على توجيهات السلطات المركزية، تم منع اسكان مواطنين غير العرب في المجمعات السكنية حول كركوك، بموجب الكتاب الصادر من الشؤون القانونية لمحافظة التاميم في ١٤/٨/٢۰۰۰ المرقم ٨٢٤١.

القسم السابع
المادة الثانية بفقراتها الاربعة (أ، ب، ج، د) تدعو الى المحافظة على الحياة باعتبارها هبة الله وهي مكفولة لكل انسان، وتدعو الافراد والمجتمعات والدولة حماية هذا الحق من كل اعتداء عليه، ولايجوز ازهاق روح دون مقتضى شرعي، وتحرم اللجوء الى وسائل تقضي بفناء الينبوع البشري، وتنتهي الفقرة الاخيرة بالقول (يجب ان تصان حرمة جنازة الانسان وان لا تنتهك وعلى الدولة ضمان ذلك) وتشارك المادة الرابعة في نصها مع الفقرات السابقة مؤكدة على (لكل انسان حرمته والحفاظ على سمعته في حياته وبعد موته وعلى الدولة والمجتمع حماية جثمانه ومدفنه).

عندما نتمعن بالمقارنة مع الواقع فحوى المادتين وبمما يلاقيه الانسان التركماني في دولة يقر دستورها ويعترف نصا ان الاسلام دين الدولة لانرى سوى النقيض خلال تلك الممارسات الوحشية التي لاتليق بالانسان وروح الاعلان الاسلامي لحقوق الانسان ابتداء من التعامل معه بمراكز الشرطة وانتهاءا بالقتل الجماعي مرورا بالسجون والمعتقلات وانواع التعذيب الذي يتعرض له الانسان تحت ذرائع مفتعلة ليس لها مسوغات قانونية في نصوص مواد العقوبات. اضافة الى ضياع دور الدولة واجهزتها في المحافظة على الانسان نفسه وشواهد الحوادث لاحصر لها على ما تجرعه التركمان من تلك الاعتداءات وازهاق الارواح ومحاولات افناءهم بالقتل والترهيب بسوء المعاملة وبث الرعب والخوف فيهم وما عمليات التمثيل بجثث شهداء المجزرة عام ١٩٥٩ في كركوك (بقر البطون، قطع الاطراف، التعليق على الاشجار والاعمدة الكهربائية، و.. و.. والسحل، وضرب الجثث بالمطارق) دليل على غياب دور الدولة في حماية الانسان حتى بعد موته بابشع صور القتل، اضافة الى عدم معرفة مصير عدد كبير من المعتقلين التركمان لحد الان واذا كانوا قد اعدموا فليس لهم من القبور الا الشواهد.. ومنهم الدكتور رضى دميرجى المعتقل منذ عام ١٩٧٩ (لم يستلم جثته اسوة باخوانه الثلاثة الذين كانوا بمعيته، اكدت المعلومات بانه كان يعذب بماء النار (التيزاب) ومن الطبيعي ان لايبقى لجثته اثر) كذلك الشهيد حسين علي موسى عام ١٩٧٢ وهو اول شهداء المسيرة الطلابية الذي وجدت جثته قرب محطة تلفزيون كركوك الحالية واثار التعذيب والصعق الكهربائي واضحة على جسده، وصباح نور الدين محي الدين المعتقل منذ عام ١٩٨۰، واحمد محمد رضا المعتقل في ١٩٨١، جودت عطا اوجى الذي اعتقل عام ١٩٨١ ومئات اخرون …واخيرا القتل الجماعي الذي وقع في قصبة التون كوبري عام ١٩٩١ ثم دفنهم في مقابر جماعية على يد قوات نظام بغداد اثناء قمعها الانتفاضة الشعبية التي عمت اغلب محافظات العراق ان الماسي التي عاشها التركمان ليس لها الا مدول واحد يجسد عدم المبالاة لشريعة السماء الداعية الى عدم الافراط باعز مخلوقات الله ذلك هو الانسان.

الفقرة (أ) من المادة الحادية عشرة نصت على (يولد الانسان حرا، وليس لاحد ان يستعبده او يذله او يستغله، ولا عبودية لغير الله تعالى) الكلمات الثلاثة (الاذلال، القهر، الاستغلال) نلاحظها تتكرر في قاموس التركمان على صفحات عديدة منها تحت تعابير لاتلتقي مع بعضها اشبه بالخطوط المتوازية التي تتلاقى الا بالعودة الى نص المادة.

ان كلمة التركمان بحد ذاتها اصبحت مشكلة مستعصية امام من يريد تحقيق اهداف لاتخدم الا مصالحها الخاصة وكأن وجوده عائق يحول دون بلوغ المراد، لذا نراهم يتعرضون الى انواع القهر والاذلال والاستغلال في ظل سياسة النظام … مرة بالتعريب ومرة بمصادرة الاملاك ومنع الامتلاك ومرة اخرى وضعهم على المحك مع الاختيار الصعب … اما الرحيل من موطن الاباء والاجداد كركوك الى الشمال او الجنوب … اما بقاء احد افراد العائلة قيد الاعتقال وفي كل الاحوال الحالة لاتخرج من دائرة الاذلال والاستغلال والقهر بعد تصفية ممتلكات منقولة وغير منقولة افنى اصحابها عمرهم في توفيرها.

ثم تاتي المادة الثامنة عشرة مطابقة مع تلك الاجراءات القاسية في تقييد حرية الفرد وتجريده من حق الاختيار لمحل اقامته داخل او خارج البلاد، واذا كان التركمان ممنوعين اساسا من امتلاك عقارات سكنية في كركوك والمناطق التركمانية الاخرى بهدف تسريبهم منها فكيف بهم ان يختاروا محل اقامتهم خارج بلادهم رغم اشكال الاضطهاد المفروض عليهم، بل ان العوائل التي لديهم افراد في الخارج اينما كانت اقاماتهم معرضين للمسائلة والمراقبة والتهجير والى شتى العقوبات التي نصوصها خارج مواد القانون ومواد لائحة حقوق الانسان الاسلامي بالاضافة الى استقدام عوائل عربية من الجنوب وتسهيل اقاماتهم في كركوك بعروض مغرية، وعدم السماح لهم بالانتقال منها والعودة الى (محافظاتهم) مراكز اقاماتهم السابقة مهما كانت، ووصلت الحالة الى تقديم مبالغ نقدية ضخمة لمن ينقل رفاة امواته الى مقابر كركوك محاولة منها تغيير الواقع القومي للمدينة على حساب الاموات في عملية منافية لقيم السماء وعدم احترم الاموات وتعريضهم الى المزايدات.

القسم الثامن
حق العمل مكفول بها الدولة والمجتمع، وحرية اختياره متروك للانسان القادر عليه هذه بعض كلمات المادة الثالثة عشرة من الاعلان الاسلامي لحقوق الانسان التي لاتتفق والقرارات الرسمية الصادرة من الجهات المختصة في السلطة العليا ضد التركمان ومحاربتهم في ممارسة اعمالهم الحرة ضمن المحلات المؤجرة التي تعود عائديتها للدولة بعدم السماح لهم في اعادة تاجيرها ومنعهم من المشاركة في المزايدات العلنية عليها او في اعمالهم ووظائفهم الحكومية، وابعد من ذلك فسخ العقود على الاراضي الزراعية او الغاء سندات التمليك الزراعية بسبب كون اصحابها من القومية التركمانية، وبالعودة الى مضامين الكتب الرسمية تنكشف امامنا حقيقة الوقائع بوضوح:-

اقامة الحزام الامني حول مدينة كركوك عنوان الكتاب الصادر في ٧/٩/١٩٩٤ من اللجنة العليا للاسكان والتطوير / محافظة التاميم تنفيذ خطة ۳٥ (سري) الصادر في ٢/١١/١٩٩٧ تحت رقم ٥٩۳٦ من الشؤن الزراعية /محافظة تاميم. الغاء سندات التمليك مضمون كتاب المرقم ١٧٨٥۳ في ١٢/٩/١٩٩٩ الصادر من المكتب الخاص / محافظة التاميم. الغاء ملكية سندات التمليك بموجب الكتاب المرقم ١٨٤٦٥ الصادر في ٢١/٩/١٩٩٩ من المكتب الخاص / محافظة التاميم. فسخ عقود زراعية، عنوان الكتاب / المرقم ١۳٥٤٩ في ٢٨/١۰/١٩٩٩ الصادر من الشؤن القانونية/ محافظة تاميم. تشير المادة الخامسة عشرة من الاعلان الاسلامي لحقوق الانسان الى:

١- لكل انسان الحق في التملك بالطرق الشرعية. بحقوق الملكية بما لا يضر به او بغيره من الافراد او المجتمع. لا يجوز نزع الملكية الا لضرورات المنعة العامة ومقابل تعويض فوري وعادل.
٢- تحرم مصادرة الاموال وحجزها الا بمقتضى شرعي.

الملكية انواع واهمها في حياة الانسان حق امتلاك دار سكن، فلو اجرينا احصائية دقيقة نزيهة بعدد التركمان الذين تمتعوا بهذا الحق خلال العقود الثلاثة الاخيرة لانجد سوى نسبة ضئيلة منهم امتلكوا دار سكن ووفق شروط مجبرين عليها وفي المقابل نجد احياء باكملها جردت ساكنيها من ملكيتهم لقاء تعويض بخس كما حدث في حي تسعين الجديدة او حرموا من ديارهم بعد ان سويت مع الارض بحجة التخطيط العمراني على طول خط المتد من محطة قطار القديمة سابقا (كراج بغداد حاليا) حتى الجهة الغربية من ساحة الطيران المواجهة للقاعدة الجوية مرورا بمنطقة كاور باغى، واضطر سكنة تلك المناطق التوجه الى اربيل وسليمانية لانهم منعوا من امتلاك دور سكنية تعويضا لما فقدوا.

اضافة الى حالات نزع الملكية على انواعها بالحجز والمصادرة ووضع اليد عليها من غير تعويض تحت ذرائع واهيه لاتتجاوز غاياتها المرسمة حدود اطار تضييق الخناق على التركمان، وتصبح قرائتنا للمادة (١٥) كالعادة من اليمين ولكن مسبوقة بلا النافية فيما يخص هذاالحق حتى بالطرق الشرعية التي هي ليست شرعية في منظور النظام الحاكم طالما يتعلق الامر بالتركمان. وفيما يلي نماذج من تلك القرارات المنافيه للعهد الدولي الاسلامي لحقوق الانسان ۰۰۰۰

١- اطفاء الاراضي الزراعيه حسب الكتاب المرقم ٦٤٤١ في ٥/١١/١٩٩٧ الصادر من محافظة التاميم / الشؤن الزراعية لعشرة من المواطنين سبعة منهم من التركمان في منطقة داقوق وتازة.
٢- الغاء ملكية وايقاف حق التصرف لسبعة من مواطني التركمان في قزليار / تازة / داقوق / ملا عبد الله / يايجي بموجب الامر الصادر من محافظة التاميم / المكتب الخاص المرقم ٥/٩/٥٤١٨ في ١١/٤/١٩٩٨.
۳ - مصادرة عقارات تجارية في حي صناعة كركوك الجنوبية تنفيذا لامر الصادر من قائمقامية قضاء كركوك المرقم ۳٥٦٥ في ١٤/۳/١٩٩٩ بتهمة هروب اصحابها خارج العراق ووجود ادوات احتياطية لسيارات مسروقة.
٤- حجز قطعة ارض سكنية المقاطعة (۳٩) تسعين رقم القطعة ٦٨٢/٥۳ للمعدوم علي حسين محمد وهو تركماني القومية حسب الكتاب الصادر من محافظة التاميم / المكتب الخاص المرقم ٧/٥/٢١١٩٥ في ٨/١١/١٩٩٩.
٥ -حجز عقار المدعوة(اميرة طه نجيب) تركمانية القومية بسبب مغادرتها القطر بموجب الامر المرقم ١٨٥٩ في ٢/٢/٢۰۰۰ الصادر من محافظة التاميم / الاملاك.
٦- حجز اموال ودار سكن وسيارة للمدعو شوكت حسن علي تركماني شيعي بموجب كتاب قائمقامية قضاء كركوك المرقم ٤/٥/٦۰٧١ في ٨/٧/٢۰۰۰ بتهمة هروبه من الخدمة العسكرية.

موضوع الكتاب
(تعليمات)

تتضمن حجز ومصادرة الاموال المنقولة وغير المنقولة الصادر من وزارة الداخلية / الشؤون الامنية في ٢٦/٧/٢۰۰۰ تحت رقم ٨١٧٢ بسبب مغادرة اصحابها القطر.
اجراءات قانونية بحق سبعة عوائل تركمانية (حجز اموال، او ترحيل لمن ليست لديهم املاك) استنادا للكتاب المرقم ٤/٧٨٤۳٢ في ٧/٨/٢۰۰۰ الصادر محافظة تاميم / الشؤون الداخلية. وذلك بمغادرة افراد من تلك العوائل للقطر.

القسم التاسع
تشير المادة السادسة العشرة من الاعلان الاسلامي لحقوق الانسان الى حق الانسان في الانتفاع بثمرات انتاجه العملي الادبي او الفني وحقه في حماية مصالحه الادبية والمالية الناشئة عنه. عندما نلقي نظرة مقارنة للفترة قبل وبعد منتصف السبعينيات نلاحظ الفرق الواضح لواقع النشاطات والفعاليات الفنية والادبية للتركمان وهم يمارسون هذا الحق ولو بشكل محدود من خلال الحفلات الغنائية والشعرية، والعروض المسرحية التركماينة، واقامة المعارض للفنون التشكيلية لفنانين تركمان بالاضافة الى البرامج والتمثيليات والمسلسلات المعروضة والمذاعة عبر الاذاعة والتلفزيون، كذلك الاصدارات والمطبوعات المتنوعة بالتركمانية والعربية وهي يتناول الجوانب الثقافية والادبية لهم.

الا ان الحضر التدريجي لتلك الحقوق بعد ذلك في محا ولة احتوائها ووضع حد توسعها وانتشارها فان الانتفاع من ثمار هذا الحق اصبح معدوما وان وجدت فانها تصب في خانة مصالح اتباع النظام فقط بعد ربط جميع تلك النشاطات والفعاليات بمثيلاتها العربية، فلا وجود لاتحادات تركمانية خاصة بالفنانين والادباء والمسرحيين وبالتالي لاوجود لتجمعات وفرق فنية او مسرحية او ادبية منعا لادامة التواصل في العطاء القومي بشتى اشكاله التي تتعارض مع غايات النظام ومصالحه الهادفة الى:-

محو الشخصية المعنوية التركمانية من خلال طمس فنونه وادابه وفلكلوره في ظل سياسة التعريب. تشويه وتخريب ثقافة التركمان وفنونه على مختلف الاصعدة وبايدي وافكار مركزية موجهة لتصبح الثقافة والاعلام احادية الجانب.
العمل على تدهور مستويات الانتاج الفني والادبي للتركمان الى حد ادنى، وعدم السماح لنموه وتطوره وذلك بمنع جميع نشاطاتها وصولا الى حالة الانعدام الفني والادبي لفقدان تواصل اللاحق مع السابق والتعلم منه وبالتالي انقراضه مع الزمن.
صهر واذابة الشعب بالقضاء على اثارهم الفنية والادبية والثقافية من خلال كبت المواهب والقابليات بعدم السماح تاسيس فرق فنية او جمعيات ادبية ومنع ممارسة نشاطاتها الا عن طريق التوجيهات المركزية لسلطات النظام، وهكذا تصبح المادة المذكورة اعلاه لامحل لها من الاعراب بين جملة الممنوعات المفروضة على حقوق التركمان في مناطقهم يرافقها انعدام حق المنفعة المادية نتاج الاعمال الفنية والادبية والثقافية للذين يمارسون تلك النشاطات العملية.

جملة الفقرات (أ، ب، ج) الواردة في المادة الثامن عشرة المتناولة حق الانسان في:-

العيش الامن على نفسه ودينه واهله وعرضه وماله.
الاستقلال بشؤون حياته الخاصة في مسكنه واسرته وماله واتصالاته، وعدم جواز التجسس والرقابة عليه او الاساءة الى سمعته، ووجوب حمايته من كل تدخل تعسفي.
حرمة المسكن في كل الاحوال وعدم جواز دخوله بغير اذن اهله او بصور غير مشروعة وعدم جواز هدمه او مصادرته او تشريد اهله منه.

سؤال يطرح نفسه مَنْ مِن العراقين يتمتع فعلا بتلك الحقوق كاملة دون انتقاص جزء منها ؟ ان الشعب العراقي يحي في جو خوف دائم من النظام ونراه يسير في الظل خوفا من ان يصيبه تعسف النظام ويصبح هدفا لممارساته الارهابية، بذلك اصبح الحق في ان يعيش الانسان امنا على نفسه وماله ومن حوله شبه مفقود ان لم يكن مفقودا طالما لايتمتع باستقلالية حياته الخاصة في مسكنه واسرته خصوصا اذا امتنع من المشاركة فيما يسمى بـ(جيش القدس) او رفض ارسال اولاده من هم في سن الدراسة الابتدائية بدورة اشبال صدام او من هم في سن الشباب لدورة فدائي صدام الى معسكرات التدريب لتنهال عليه الاساءة على سمعته والصاق التهم به تحت عناوين مختلفة من الذرائع.

ولما كان التركمان جزء من هذا الشعب فلابد ان يشارك تلك المعاناة اخوانه العراقيين مع العلم ان تهمتهم جاهزة مطبوخة قبل غيرهم من الشعب العراقي وان هدم ومصادرة منازلهم ودور سكناهم وتشريدهم منها اكبر الادلة والبراهين على تلك التعرضات والتجاوزات المنتهكة لنصوص مواد الاعلان الاسلامي لحقوق الانسان المخالفة لها جملة وتفصيلا بما فيها المادة العشرون ونصها (لايجوز القبض على انسان او تقييد حريته او نفيه او عقابه بغير موجب شرعى. و لايجوز تعريضه للتعذيب البدنى او النفسى او لاى نوع من المعاملات المذله او القاسيه او المنافيه للكرامه الانسانيه. كما لايجوز اخضاع.......... و ا لخ

القسم العاشر
وقد عبرت تقارير لجان حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة عن تلك الانتهاكات الفاضحة لحقوق الانسان العراقي عامة والتركمان خاصة واصبحت الكرامة الانسانية قاب قوسين من الاذلال امام تقييد حريته وتهديده بسحب البطاقة التموينية منه، وتعريضه للتعذيب النفسي الدائم والبدني في حالات الاعتقال من قبل النظام الحالي. بل وتصل الى اخذ افراد من العاوئل رهائن لدى السلطات الامنية الى حين تنفيذ الاوامر او التعليمات الصادرة منها مع ان المادة الحادية والعشرون ترفض في نصها (اخذ الانسان رهينة محرم باي شكل من الاشكال ولاي هدف من الاهداف) وكان للتركمان نصيب وافر من انتهاكات النظام في تطبيق سياسته العنصرية مع روح نص المادة اعلاه متشبثا بها تحت ذرائع جاهزة منها:-
وجود ابناء واقرباء بعض العوائل خارج القطر او في شمال خط ۳٦ (منطقة الاملاذ الامن) الخارجة عن سيطرة النظام.
الاتهام بالترويج للافكا رالقومية والحركات الاسلامية او الانتماء اليها.
تهمة العزوف من اداء الخدمة العسكرية والالتحاق بصفوف المعارضة العراقية اينما كانت.
(لاتجوز اثارة الكراهيه القوميه و المذهبيه وكل ما يؤدى الى التحريض على التمييز العنصرى باشكاله كافه) هذا هو نص الفقره (د) الوارده فى الماده الثانيه والعشرون المقتبسه من اسمى الشرائع السماويه التى ترفض الاكراه فى الدين ۰ و رغم ان اصل الانسان واحد مع اختلاف وتباين السنته والوانه وبالتالى التنوع فى لغته وثقافته وعقيدته المعبر عن معجزات الخالق التى تعد نعمه الله للبشريه فى ارثه الحضارى الجامع للتعدديه الدينيه والقوميه والثقافيه وكل مكونات الحضاره الانسانيه والتى بحد ذاتها ملك الجميع وليست خاصه لفئه دون اخر ى حيث المساهمه الجماعيه فى بنائها التاريخى ۰الا ان اسلوب سياسه النظام تعبر عكس ذلك من خلال اثاره الكراهيه القوميه والمذهبيه باتباعه سياسه التفاضل بين ابنائه فى الوطن الواحد دون العوده الى قول العظيم الاعظم (لااكراه فى الدين) ۰۰۰۰۰۰۰۰واذا كان امر الخالق واضحا فى عدم جواز الاكراه فى الدين مع ان الاديان السماويه مصدرها واحد و جميعها لاتفرق ولاتميز بين الانسان والانسان فى لغته ولونه وجنسه وانتمائته العرقيه واحواله الانسانيه الشخصيه الخاصه ۰۰۰۰۰۰فكيف بالمخلوق يكره المخلوق على تغيير قوميته.

ان سياسه التعريب ومايسمى بـ (تصحيح القوميه) الجاريه ضد التركمان فى كركوك والمناطق التركمانيه الاخرى عمليات مدانه تعد مخالفه لشرائع السماء وتجاوزا على وحده الوطن ومكوناته القوميه لما لها من الاثار السلبيه على بناء الانسان النفسى والاجتماعى من خلال نثر بذور الفرقه والتفرقه فى الخطاب التفاضلى بين خيوط نسيجه ۰وحاله المجتمع العراقى الذى فيها نتاج رواسب سياسه النظام الخاطئه عندما جعل الولاء والانتماء للحزب الواحد اساس الوطنيه والاخلاص ثم اقام بدساتيره وقراراته الاسوار والجدران العاليه بين القوميات والاديان والمذاهب التى لازا لت اثارها ملموسه فى التعاملات السياسيه وهضم حقوق بعضها الاخر فى داخل الوطن وخارجه ۰وبالعوده الى الوراء الىصفحات اعلان الحرب المزدوج ضد التركمان (قوميا ومذهبيا) فى كيان وجودهم ومعنوياتهم من قبل سياسه النظام العنصريه فى اثارتها الحقد والكراهيه بين القوميات والمذاهب الاخرى فى التمتع بالحقوق الاساسيه ۰واستخدام لغه الانكار فى الدستور ضدهم وكما هو الحال فى عام ١٩٧۰وعام ١٩٩٩۰ بالاضافه الى تشريد العوائل وهدم البيوت وازاله القرى (تسعين-بشير-يايجى-كومبتلر۰۰۰۰۰الخ)ثم التهجير القسرى واستبدال الاسماء التركمانيه للاحياء السكنيه والشوارع و الساحات ومنع التسميه بالاسماء التركمانيه للولادات الجديده واستقدام مجاميع من العوائل العربيه من الجنوب الى كركوك ۰۰و۰۰۰۰و۰۰۰۰والى اخره من اشكال التمييز العنصرى ونثر الكراهيه والبغضاء والنعرات الطائفية بانواعها بين ابناء الوطن الواحد واخرها حث العوائل العربيه المستقدمة والقاطنه فى كركوك وتشجيعهم على نقل رفاه امواتهم الى مقابر التركمان هناك بغيه اسباغ الطابع العربى عليها في محاولة لالغاء الوجود القومي للتركمان.

القسم الحادي عشر
كثيرة هي حلقات مسلسل الممارسات اللانسانية بحق التركمان خلال استبداد النظام واستغلاله للسلطة بحكم استخدام القوة آلة بطش وارهاب ضدهم، واذا كانت لغة الحاكم القابض على السلطة استغلال قوة السلطة في تحقيق المأرب السياسية على حساب قومية دون اخرى التي تثير الضغائن والاحقاد وتسلب حقوق افراد وتنكر وجوده تنفث منها رائحة التمييز والتفرقة العنصرية فانها تعمل في ذات الوقت ايضا على توسيع الهوة بين ابناء الوطن الواحد جراء سوء استغلال السلطة المنافية لبنود الاعلان الاسلامي لحقوق الانسان ونص الفقرة (أ) من المادة الثالثة والعشرون التي تنص على (الولاية امانة يحرم الاستبداد فيها، وسوء استغلالها تحريما مؤكدا ضمانا للحقوق الاسياسية للانسان).

ذلك الاستبداد في القرارات العامة والخاصة الذي طالما عانى ويعاني منها التركمان واخوانه في الوطن دون مراعاة النظام للحقوق الاسياسية للانسان المقرون بسوء ادارة البلاد الذي جعل المجتمع العراقي ان يعيش حالات ماساوية كل في ظروفها حسب نوع التعسفات والضغوطات تحت طائل القرار السياسي المستبد اداريا وقانوها التي لا تتناسب مع مسؤولية الواجب الاخلاقي للحاكم ولا تلتقي مع التزامات مسؤولية الدولة امام العهود والمواثيق الدولية في ادارة البلاد ومراعاة مصلحة ابنائه، حيث اكد ذلك العديد من ملفات العراقية لحقوق الانسان التي شملت الاستخدام الواسع للتعذيب والاعتقال والاعدام كوسائل للارهاب قطاعات عديدة من السكان اضافة الى القمع اللامحدود والتسعف الشديد والصهر العرقي وخنق الحريات ومصادرة الاموال والممتلكات ولى اخره من الممارسات اللاانسانية التي تحرمها وتمنعها مواد الاعلانيين العالمي والاسلامي تحت عبارة (عدم جواز او منع سا مواد الاعلانيين العالمي والاسلامي تحت عبارة (عدم جواز او منع سلوك استبداد الحاكم في ادارة البلاد) و(الولاية امانة يحرم الاستبداد فيها وسوء استغلالها) وذلك ضمانا لحقوق الانسان.

بيد ان امانة السلطة في العراق اصبحت صناعة فاسدة لا يراعى فيها شروط القياس والسيطرة النوعية، وان الاستبداد صار مهنة احتراف لاذلال الشعب في غياب ادنى الحقوق الديمقراطية حتى الاخيرة اصبحت ديكتاتورية في ظل احتكار السلطة لمدى الحياة وهذه علة اخرى تضاف الى خانة التناقض مع الفقرة (أ) من المادة المذكورة اعلاه وتصبح تؤام الفقرة (ب) من نفس المادة في قانون التفرد في سلطة ادارة البلاد وشطب (حق الاشتراك في ادارة الشؤون العامة) و(الحق في تقلد الوظائف العامة) حيث ما يحق للغير لا يحق للتركمان على اعتبارهم قومية غير مرغوبة فيها او تحت زعم كونهم اقلية رغم ان الفقرة تعتمد الشريعة الاسلامية التي لا تقيم لتمييز والتفرقة اي وزن واية اهمية حيث تنص على (لكل انسان حق الاشتراك في ادارة الشؤون العامة لبلاده بصورة مباشرة او غير مباشرة كما ان له الحق في تقلد الوظائف العامة وفقا لاحكام الشريعة). نستقي مما تقدم ان الدولة التي اتخذت الاسلام دينها الرسمي لا تراعى تعاليمه في تشريع القوانين والانظمة الا في الظاهر وهي اولا بعيدة كل البعد عن مبادئ الدين الاسلامي وقيمه وثانيا عدم احترام الدستور الموضوع من قبلها الذي ينص على (الاسلام هو دين الدولة الرسمي) نتيجةعدم مراعاتها اهم مصادر التشريع الاساسية على المستوى الديني والمدني.

هذا يعني ان فوق اعلى القوانين التي تحدد سلوك وسياسة الدولة وملامحها الاساسية والدقيقة بما يسمى (الدستور) قرارات واجراءات تعول عليها دون مراجعته (اعنى الدستور) الذي يبقى حبرا على الورق في اكثر الاحاين، وان جهة القرار هي السلطة العليا التي ليس فوقها سلطان وفي حضور تام للديكتاتورية والتسلط وكاننا نعيش زمن (الدولة انا) او (القانون انا) في العصور الوسطى الموصوفة في كتب التاريخ بالعصور المظلمة، مما يعكس عدم التزام الدولة (المسلمة) باحكام شريعة الدين الا بقدر تعلق ببعض الفرائض وهي الاخرى تقام من باب اسقاط فرض، نبني على ذلك ان الحقوق والحريات المقررة في الاعلان الاسلامي لحقوق الانسان تفقد معانيها قبل ان تظهر الى حيز التطبيق طالما غير معترف بها لا في المواد المقيدة باحكام الشريعة الاسلامية ولا المستمدة منها وتقف على نقيض مع المادة الرابعة والعشرين التي تقول (كل الحقوق والحريات المقررة في هذا الاعلان مقيدة باحكام الشريعة الاسلامية) وبذلك كان تفجر بركان الغضب على دولة غياب حقوق الانسان بنص المادة الاخيرة من الاعلان (الشريعة الاسلامية هي المرجع الوحيد لتفسير او توضيح اية مادة من مواد الاعلان) لان بتر وتقطيع الحقوق الانسانية دون مسوغ شرعي تجاوز على الشريعة نفسها وهذا يدلل على ان جميع ما جرى ويجري على التركمان من اولى التجاوزات ليست مخالفة للعهود والمواثيق الدولية والقوانين والانظمة الوضعية انما منافية لشرائع السماء وقيمها السمحاء في النظرية والتطبيق.


The next articles